المخرج الأستاذ / علي بدرخان

أ / عادل منير:

يتميز الأستاذ علي بدرخان بأثنين من أهم المميزات التي أعتقد أنه يجب أن يتميز بها المخرج السينمائي ، أولاهما : الصدق فهو لا يقدم على   إخراج أي عمل سينمائي ما لم يرتبط بقضية تمس مجتمعه,  أما الميزة الأخرى وهي محور مناقشتنا هي إلمامه بكل تفاصيل العمل السينمائي ، والذى يحتاج إلى تظافر جهود جميع الفنانين والفنيين العاملين بالمجال السينمائي من أجل أيجاد الحلول الملائمة لانجاح العمل السينمائي والذي يعتبر عملا جماعيا في الأساس . ومن هذا المنطلق أذكر أن الأستاذ / صلاح مرعي مصمم الديكور أشار إلى أنه اكتشف أن الأستاذ / علي بدرخان ملم إلماماً تاماً بفن الديكور حتى أنه أوجد بعض الحلول التي لم تخطر علي باله أثناء تنفيذ ديكور فيلم ( الجوع ) .

وعلى   ذلك نرى أن المخرج الناجح هو الذي يستطيع أن يستدرج الفنانين والفنيين المشاركين في صنع الفيلم، لكي يستخرج منهم أفضل ما يمكن أن يقدموه كل في تخصصه ، لانجاح الفيلم

أ/ علي بدرخان:

أود أولا أن أشكر الأستاذ عادل منير علي المقدمة التي تفضل بها ، وثانيا أريد التأكيد على   أن المخرج يعتبر إلى حد كبير المنسق العام للجهود التي أشار إليها الأستاذ عادل منير. فالمونتاج إلى جانب التصوير , والصوت , والديكور, والتمثيل , والسيناريو قبل كل ذلك ، لا يمكن نجاحها دون التعاون الذي يتم تحقيقه من خلال قيادة المخرج الواعي والملم بالتقنيات التي يستخدمها القائمون علي العمل بهذه التخصصات والذين يكونون فريق العمل السينمائي . وعندما نتحدث عن المونتاج ، فإننا نتحدث عن واحد من أهم العناصر التي يستعين المخرج بها لصنع الفيلم ، ودعوني أتوجه إليكم بالسؤال باعتباركم دارسين لفن المونتاج ، هل يقتصر دور المونتيرعلى   الجانب الحرفي لهذا العمل ؟

طالب :

لا . بل يتعدى ذلك إلى أن يكون له دور في عملية الأبداع .

أ / على   بدرخان:

تماماً ، فإجادة المونتير لتقنيات العمل بجانبها الحرفي أمر مسلم به ، فالمونتير يدرس هذه التقنيات ، كالقطع , والمزج.... ألخ ولا يجب أن يتميز مونتير عن الآخر بالإجادة في استخدام التقنيات الحرفية للمونتاج ، إنما يرجع تميز المونتير إلى أدائه لدوره كفنان يشارك في عملية خلق الفيلم منذ أولى مراحله.فعندما يجتمع فريق العمل السينمائي للإعداد لمشروع فيلم ، يتم عرض سيناريو الفيلم على   كل منهم ليقرؤوه جيداً ، ثم يقوم كل منهم بعرض وجهة نظره في السيناريو انطلاقا من زاوية تخصصه ، فعلى   سبيل المثال ، قد يقترح مدير التصوير أن يتم اضافة مشربية كأحد عناصر الديكور . لكي يتم استغلالها في إحداث  حالة من الظل والنور الذي يسقط على   وجه الممثل ، لتخلق تأثيراً يستفاد منه درامياً .

ولا يقتصر دور مدير التصوير هنا على   مجرد ضبط اللمبات أو قراءة جهاز قياس الضوءExposure Metter وهذا تماماً ما قصدته بحديثي عن الوعي بالفارق بين الجانب الحرفي للعمل وجانب الإبداع ، وصحيح أننا قد نشاهد – من الناحية الفعلية – أعمالاً سينمائية تفتقد إلى التقنية السليمة حرفياً ، إلا أنني لا أريد لكم أن تكون هذه هي النتيجة التي تصلون إليها بعد تخرجكم من المعهد ، وأعني بذلك ،

وقوعكم في أخطاء فيما يعتبر من بديهيات العمل أو أساسياته ، فهذا يعتبر عيباً خطيراً لا يجب أن يكون لديكم .

ونعود إلى الدور الذي يلعبه المونتير الواعي الذي يمتلك الحس الفني ، والخبرة الحرفية التي تؤهله لكي يشعر عند قراءته للسيناريو بمناطق القوة ومناطق الضعف في إيقاع المشاهد ، فقد يوجه نظر المخرج إلى ضرورة عدم الافراط في طول أحد المشاهد حتى لا يؤثر ذلك على   إيقاعه ، ويفيد ذلك المخرج ، فنحن نعلم أن إيقاع الفيلم ينتج عن إيقاع المشاهد والذي ينتج بدوره عن إيقاع اللقطات ، فيراعى ذلك عند تنفيذ كل لقطة من لقطات الفيلم فلو أن المخرج قام بتنفيذ احدى اللقطات بسرعة تزيد كثيراً أو تقل كثيراً عن المطلوب، لن يستطيع المونتير عندها أن يعالج مثل هذا العيب .

ويتم تلافي حدوث مثل هذه العيوب من خلال الحوار الذي يمتد بين المخرج كقائد لفريق العمل وبين أفراد الفريق ومنهم المونتير ، هذا الحوار الذي يمهد لخلق تصور عام مشترك بين أفراد الفريق ، يقوم كل منهم في حدود تخصصه بالعمل على   تحقيقه في المرحلة التي يتم فيها التنفيذ ، وهذا الحوار ، وكما سبق أن أشرت ، والذي يديره المخرج ، يتيح لكل فرد أن يضع تصوراته الخاصة منذ اللحظة الأولى أمام باقي أفراد الفريق ، لكي يراعيها كل منهم ، من مصمم الديكور إلى مهندس الصوت إلى مدير التصوير ..

وهكذا يقوم المخرج بخلق المناخ الذي يتيح للفريق أن يعمل من خلال رؤية محددة وواضحة يصل إليها كل منهم باقتناع تام ، ففريق العمل لا يعمل كمنفذ للرؤية الوحيدة المخرج بل أن هذا الفريق يدعم عمل المخرج ، بل وقد يوجهه أيضا كما سبق وأن قلت وذلك للوصول إلى عمل جيد يشار إلى كل عناصره بالجودة ، فأنا أعتقد أن الإشادة بأحد عناصر الفيلم كالتصوير أو الموسيقى التصويرية مثلا ، دون باقي العناصر ، تعتبر شهادة ضد الفيلم ، حيث أنه في هذه الحالة يفتقر إلى التكامل والتناغم بين عناصره ويرجع هذا إلى تصور المخرج أثناء أداء دوره في قيادة فريق العمل والاستفادة من إمكانيات كل فرد فيه لتحقيق هذا التكامل .

ولتوضيح حديثي ، يجب أن نعلم أن المخرج يضع في ذهنه العمل كصورة نهائية ، أو كمجموعة لقطات تكون مجموعة من المشاهد المتتابعة ، ويجب أن يحافظ على   إيقاع عام متجانس للفيلم ككل ، يقوم بمراعاته بدءا من مرحلة إعداد السيناريو إلى مرحلة إعداد الديكوباج ثم خلال مرحلة التصوير ، حيث يراعي إيقاع اللقطة التي يتم تصويرها والعلاقة المتبادلة بينها وبين اللقطة التي تسبقها واللقطة التي تليها ، وينطبق هذا على   العلاقات المتبادلة بين المشاهد وبعضها ، فالراكور الخاص باتجاه حركة الممثلين ، والملابس والإكسسوار . إلى غير ذلك ، يعتبر من البديهيات التي يجب أن تنفذ بشكل تلقائي ودقيق ، ويعتبر من قبيل العيب الجسيم الخطأ فيها ، فأنا أعتقد أن الراكور الأهم هو الراكور الإيقاعي وهو الراكور الذي يجب أن يشغل الجزء الأكبر من ذهن المخرج ، وذلك للوصول إلى الإيقاع المتجانس الذي أشرت أليه.

أما أن يخفق المخرج في أداء دوره في وصول فريق العمل الى تصور عام مشترك ينعكس على   أدائهم لعملهم , وبالتالي يعمل كل منهم وفقا لتصور يختلف عن الآخرين ، ثم يتهم المونتير بعد ذلك بعدم قدرته على   خلق إيقاع متجانس للفيلم ، فهناك حد أدنى من المحافظة على   الإيقاع المتجانس للمشاهد ، يستطيع المونتير من خلاله التعامل مع  المادة المصورة للفيلم للوصول إلى الصورة النهائية للعمل .

وعند الحديث عن المرحلة التي يقوم فيها المونتير بعمله ، يجب أن نعلم أن هناك بعض أفراد الفريق قد أنتهى بالفعل من أداء دوره ، كمصمم الديكور, ومدير التصوير ، والممثلين في حين يبقى البعض الآخر لمرحلة التشطيب كمهندس الصوت ومؤلف الموسيقى التصويرية ، والمخرج بالطبع ، حيث يقومون بعمل التوليفة الأخيرة أو صنع الإطار النهائي للفيلم . وكما أن هناك تصوراً عاماً للعمل يتم التوصل إليه أثناء التصوير ، أيضا قد يتم التوصل إلى أفكار جديدة أثناء المونتاج تساعد في المحافظة علي الإيقاع المطلوب ، فقد يقترح المونتير حذف أحد المشاهد لان وجوده من وجهة نظره لن يؤثر على   أحداث الفيلم بل أن إيقاع الفيلم سيستفيد أكثر نتيجة لحذفه ، وقد مررت بتجربة كهذه مع المونتير الأستاذ سعيد الشيخ ، عندما اقترح حذف مشهد كامل من أحد أفلامي ، والاستجابة لهذا الاقتراح قد تصعب على   بعض المخرجين .

د / منى الصبان:

بسبب الوقت والمجهود الذي بذله المخرج في تنفيذ المشهد !!

أ / على بدرخان:

فعلا : إلا أن النظرة الأشمل ، للإطار العام للفيلم يفرض على المخرج الاستجابة لاقتراح المونتير بحذف مشهد ما ، ما دام ذلك في صالح العمل في النهاية ، بل إن المخرج الجيد يسعي إلى التعاون مع مونتير من هذا النوع الواعي الذي يضيف إلى العمل وليس مع مونتير يكتفي بتنفيذ توجيهات المخرج دون أن يساهم في إثراء العمل الفني ، فالعمل الفني مسؤولية مشتركة بين كل الأفراد العاملين به ، ولا تزيد مسؤولية المخرج عن مسؤولية باقي أفراد الفريق فيما يتعلق بعبء اختيار الموضوع والقدرة علي التنسيق بين عناصر الفيلم ، ولهذا السبب فقط يتم إلقاء المسؤولية علي مخرج الفيلم ، ويتم تسمية الفيلم بأسم مخرجه ، أما النتيجة النهائية للعمل فترجع إلى تضافر الجهود المشتركة لكل العاملين فيه .

ولذلك نجد مخرجا يطلب مونتيراً بعينه ، كما سبق أن أشرت ، ولا يكتفي بمونتير يمتلك أدواته من الناحية الحرفية فقط ، بل يسعي إلى التعاون مع المونتير الذي يمتلك بالاضافة إلى ذلك الحس الفني والخبرة التي تجعل من مشاركته إضافة للعمل ، فقد حدث أن تدخل الأستاذ عادل منير كثيرا في تحديد طول لقطة ما تصورت أنا أنها تنتهي عند حد معين وذلك لان خبرتي بالمونتاج تقتصر علي الإلمام بالتقنيات وليست خبرة عملية ، على عكس المونتير صاحب الخبرة العملية المستمرة التي تؤهله للإحساس بإيقاع اللقطة في إطار الإيقاع العام للفيلم ، وهنا لابد للمخرج أن يحترم خبرة المونتير الذي يتعاون معه ويقبل الاقتراح بتقصير طول لقطة ما أو زيادتها ، وهنا هو ما قصدته بالحوار الممتد بين المخرج وباقي أفراد الفريق ، وفي هذا الصدد قد يتدخل مهندس الصوت باقتراح آخر أو حل بديل لتقصير طول اللقطة كاختزال الحوار ، أو إستبداله بالموسيقي التصويرية أو أن يتم تدعيم اللقطة من خلال شريط الصوت باستخدام مؤثر معين ، وهو ما يثري العمل السينمائي ، من خلال تدعيم نقاط القوة ونقاط الضعف ، فكل فرد من أفراد العمل مسؤول كما قلنا ، ويشارك بالرأي وبالمشورة كل في حدود تخصصه ، وفي المرحلة المحددة لتنفيذ عمله ، فالمونتير يشترك مع المخرج في خلق الإيقاع العام للفيلم ، ومهندس الصوت وإن كان دوره يختلف عن دور المونتير إلا أنه لايمكن إغفال مساهماته في الوصول إلى درجة التناغم المطلوبة ووضع المؤثرات المناسبة وإضافة الموسيقي التصويرية بصورة جيدة ، كل هذا من شأنه تعميق درجة الإحساس والوصول إلى الإحساس المطلوب إحداثه في نفس المتفرج ، والعكس صحيح تماما ، وهو ما يعود بنا إلى التأكيد علي دور المخرج في اختيار أفراد فريق العمل الذي يعاونه ثم بعد ذلك دوره في قيادة هذا الفريق لتحقيق أفضل النتائج وفقا لرؤية المخرج والتصور العام الذي نجح في مساعدة الفريق على   الوصول إليه .

ويعتمد نجاح المخرج في آدائه لهذا الدورعلي مدى إلمامه بتفاصيل وأليات كل تخصص من تخصصات أفراد فريق العمل ، فلابد وأن يلم بتقنيات عمل كل من مهندس الصوت ومصمم المناظر ومدير التصوير ، وذلك حتى يستطيع أن يستفيد من الإمكانيات التي يتيحها أفراد الفريق ومساهمة من كل منهم في إنجاح العمل السينمائي ، أما إذا كان المخرج غير ملم بهذه الاليات، فسيصبح هذا عائقا لادائه لدوره في الاستفادة من خبرات وإمكانيات أفراد فريق العمل ، وقد يتنامى لديه شعور بالانا يجعله يمارس حيلة دفاعية مستمرة لكي يخفي بها قصوره في فهم تفاصيل تخصصات العمل الأخرى ، فيرفض أي مناقشة تتضمن اقتراحات من أفراد فريق العمل ، ويعتبر ذلك تدخلا في عمله كمخرج ، واعتقد أن مثل هذا النوع من المخرجين يظهر حتى أثناء فترة دراسته بالمعهد ، وقد تلاحظون وجود هذا النوع أثناء قيامكم بمشاريع التخرج , فيظهر هذا النوع من المخرجين في حالة نسميها مجازا حالة إخراج .

د / منى الصبان:

فعلا هذا النوع موجود ، ويعتبرون أنفسهم ملوكا وباقي الفريق عبيد يعملون لديهم مع أن هذا الأسلوب ليس سلوك محترفين  .

أ / علي بدرخان:

طبعا ، وإن لم يكتشف هذا النوع خطأ أسلوبه من البداية ، فسيصبح على المدى البعيد من الخاسرين وبالمناسبة أتذكر رسما كاريكاتيريا رأيته لاحد المخرجين يقف في البلاتوه يشد شعر رأسه ، ولا يمكن أن يصل المخرج الناجح لهذا الصورة ، اللهم ألا إذا وجد عدم تعاون ولامبالاة من باقي أفراد فريق العمل في الوقت الذي يتوقع منهم الالتزام التام  .

د / منى الصبان:

وقد يؤدي عدم إلمام المخرج بتفاصيل عمل باقي أفراد الفريق إلى تشجيع بعضهم على التلاعب به لعدم خبرته بعملهم ، أما حرص المخرج على الإلمام بهذه التقنيات الخاصة بباقي التخصصات السينمائية فإنه سوف يجبر أفراد فريق العمل علي تنفيذ ما يطلبه منهم .

أ / علي  بدرخان:

لقد خبرت هذا شخصيا عندما كنت أعمل مساعد مخرج ، فمثلا كان يقوم أحد المنتجين بالتضييق قليلا علي عمال البلاتوه فيتحايلون عند ذلك للحيلولة دون تنفيذ تعليماته الخاصة بالعمل بمبررات تقنية قد لا يكون لها أسس من الصحة لكنهم يستغلون جهل هذا المنتج بتفاصيل عملهم وقد يكون مدير التصوير على   نفس القدر من الجهل فلا يجد حلا للعراقيل التي وضعها عمال البلاتوه . تلك العراقيل التي يزيلها هؤلاء العمال أنفسهم عندما يخفف المنتج من تضييقه عليهم ، وبالطبع هذا لا يمكن أن يحدث إذا تواجد  فريق العمل الذي يتمتع بالخبرة التي تمكنهم من إدارة العمل بالكفاءة المطلوبة . فالمخرج الذي يفهم تفاصيل عمله جيدا لن يطلب تنفيذ المستحيل من العاملين بالفيلم ، فمجرد أن يقوم المخرج بمعاينة  موقع التصوير ، يحدد متطلبات المكان من أجهزة  الصوت , إلى كاميرات التصوير , إلى معدات الإضاءة ، فمثلاً يعطي الأمر المباشر بتوفير شاريوه اثني عشر مترا مثلا , أو قد يعطي الأمر المباشر بتوفير معدات الإضاءة إذا لم يتواجد مسؤول الإضاءة ، ويعلم تماماً العدسات المطلوبة لتصوير المشهد ، أما إذا لم يكن المخرج متمكنا من أدواته ، فقد يعطي الأمر المباشر مثلا بتوفير كرين وعندما يتم توفيره ، يكتشف عدم وجود المكان الذي يسمح بحركته  فيفاجئ العاملين معه بأمر جديد لهدم جزء من جدار فيما يتصوره حلاً للمشكلة ، ومحاولة حل المشكلات التي قد تواجه المخرج بالتأكيد ليست عيبا في حد ذاتها ، ولكن بالنسبة للمخرج المتمكن من أدواته الواعي لما يعتبر بديهيات العمل السينمائي والذي يولي جانبا كبيرا من اهتمامه للإعداد الجيد للعمل والذي قد يتعرض أحيانا لظروف خارجه عن إرادته ، فإنها تعيق سير العمل ، وعندها لابد من أن يبحث عن البدائل ، وهذه المسالة تنمي لديه خبرة في حد ذاتها ، كيف يمكن أن يتصرف في المواقف التي تعرض فيها للمشكلات. هذه الخبرة يكتسبها المخرج من خلال احتكاكه بخبرات من سبقوه من العاملين في المجال فهناك من لديهم الخبرة العملية , حتى بين عمال الأستوديو يجب على المخرج الواعي ألا يستهين بخبراتهم التي اكتسبوها عبر أعوام من عملهم بالاستوديوهات السينمائية ، وهذا أيضا ليس عيباً ، بل العيب هو أن يجلس المخرج على طاولة المونتاج مثلا وهو لا يعلم كيفية تركيب بوبينة الفيلم أو لا يعلم كيفية القص واللزق ، وما إلى ذلك من البديهيات . ومن الأفضل أن يقضي المخرج ما لا يقل عن خمسة أعوام يتدرب جيدا ليستوعب بديهيات وأساسيات العمل السينمائي , فالفترة التي يقضيها المخرج كمساعد مخرج ، يجب أن يهتم بكل التفاصيل وأن يضع نصب عينيه ، التقنيات التي يستخدمها كل فرد من أفراد فريق العمل بدءا من مدير التصوير إلى مصمم الديكور . الخ , حتى عامل الكلاكيت ، وبمناسبة الحديث عن الكلاكيت هل تعلمون أنه لا يوجد في مصر من يعرف كيف يضرب كلاكيت ، فعامل الكلاكيت لابد وأن يكون مدركا لأهمية عمله واعيا لكيفية تنفيذه فنظراً لانه لا يوجد لدينا العامل المختص فلا يكلف نفسه عناء الدخول في تفاصيل تقنية قد تفسد أداءه لها . فعلى سبيل المثال ، قد يكتفي بأن يقول بيانات اللقطة بسرعة ولا يهتم بأن يخرج من الكادر بنفس السرعة فيترك ظله داخل اللقطة برهة من الوقت واحيانا يقوم بضرب الكلاكيت أثناء خروجه من الكادر ، وهذه مسؤولية القائمين على تنفيذ الفيلم ، فيجب أن نعلم أن السينما تعني الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة ، فمراعاة تفصيلة هامة كالكلاكيت ، معناها توفير في الفيلم الخام ، وعدم تعطيل للمشهد وعدم إزعاج للممثلين أو تعطيل لانفعالاتهم ، أما إذا لم نولﹺ الاهتمام لهذه التفصيلة فقد نضطر لاعادة اللقطة لتسبب عامل الكلاكيت في إحداث تشويش في الصوت ، وذلك لعدم وعيه بكيفية تنفيذ عمله كما سبق وأن قلت , ويمتد عدم الاهتمام إلى كتابة التقريرReport ) . وللأسف أصبح مقبول الان في مجال العمل السينمائي أن تتسلم تقريراً غير مفهوم منه شيء , ومقبول أن يتم تسليم عملية ضرب الكلاكيت لعامل لا يعلم عنها شيئا مع أنه يجب أن يوجد لدينا إحترام للتخصص المهني ، ويجب أن يعلم عامل الكلاكيت مثلا أن إحترامه لعمله وسعيه للإجادة فيه هو في حد ذاته خطوة تمهيدية تكسبه من الخبرات ما يؤهله لكي يتمكن من إجادة عمل أخر قد يكون أكبر وأكثر تعقيدا .

وما ينطبق علي عامل الكلاكيت ينطبق على كل فنان وفني يؤدي أحد التخصصات السينمائية ، ولا أبالغ إن قلت أنه يوجد لدينا مخرجوون ليس فقط من خريجي المعاهد يكتفون بممارسة الإخراج من وراء الكاميرا , ومفهوم كل منهم أن الإخراج ما هو ألا توجيه التعليمات وإلقاء الأوامر للعاملين بحدة ، ثم يقوم بعد ذلك بتسليم المواد المصورة إلى المونتير ويطلب منه تركيب الفيلم ، وإذا أبدى المونتير أي إعتراض على   هذه المواد يطلب منه أن يتصرف ، وكثيرا ما يحدث ذلك أيضا في مجال الفيلم التسجيلي ، حيث يقوم الكثيرون من المخرجين بتسليم مواد مصورة تفتقد إلى أبسط المبادئ وأول البديهيات في التصوير والإخراج وتناول الموضوع ويكتشف المونتير عندها أنه يقوم بعملية خلق الفيلم من الآلف إلى الياء ، وبرغم أن هذا النوع من المخرجين لا يترك حتى فرصة التصرف للمونتير وذلك لانه مقيد بمادة فيلمية مصورة ليست على  المستوى الفني الجيد ، ثم بعد ذلك يتباهى المخرج بقيامه بإخراج الفيلم والفيلم منه برئ .

أ / عادل منير :

ينبهنا الأستاذ علي بدرخان هنا إلى نقطة في منتهى الأهمية ألا وهي أننا كلنا نبدأ بحالة من أثنتين , الأولى نوع يتعلى   عما يصنع ، والثانية نوع يعتبر نقطة البداية هذه مجرد مرحلة وستمر ، وسينتقل إلى المرحلة التي تليها ، وأذكر أنني عندما عملت كمساعد مونتير مع الأستاذ / سعيد الشيخ ، كنت أولى أشد الاهتمام لكل ما يقوم به الأستاذ / سعيد ، وكنت أحاول أن أتوقع مكان القطع الذي سيقوم بتنفيذه ، ثم أقارن بين ما توقعته وما تم تنفيذه بالفعل ، وعندما لا أجد تطابقاً بين الحالتين كنت أحاول البحث ، عن الأسباب التي قادت الأستاذ / سعيد إلى تنفيذ القطع بهذه الطريقة ، وما هي الإضافة التي أضافها للعمل ، وهذا طبعا من دون الإخلال بواجبات وظيفتي كمساعد ، وكنت أقوم بذلك بعد أن أنتهي من تنفيذ المطلوب مني ، وذلك بعد أن أضيف لنفسي خبرات جديدة من خلال خبرات الأستاذ / سعيد  . أما بخصوص ما قاله أ / علي بدرخان عن الكلاكيت ، فهى فعلا عملية مهمة جدا حيث يتوقف عليها عملية التزامن بين الصوت والصورة، فلو أنه لم يتم تنفيذها بالشكل السليم ، لعدم إجادة العامل المختص لها ، فسوف يضطر مساعد المونتاج لخلق التزامن بين الصورة والصوت من جديد في مرحلة المونتاج من بداية الفيلم وحتى نهايته أي أنه يضطر للقيام بمهمة يفترض أن يكون قام بها عامل الكلاكيت .

أ / علي بدرخان:

وهذا يقودنا إلى نقطه أخرى هامة ، وهي أن المونتير عندما يقضي الوقت وينفس الجهد في هذه الأمور التي تعتبر من البديهيات ، كل هذا يأخذ الكثير من الوقت المفترض أن يتفرغ خلاله لعملية الإبداع ذاتها ، وسوف يحمله طاقة أكبر ، لو أراد أن يقوم بعملية الإبداع من خلال الوقت الذي يقضيه متأملا لكل لقطة ولكل مشهد .

أ / عادل منير:

وكل مرحلة لا يتم تنفيذها بالإجادة المطلوبة ، يترتب عليها خطأ في المرحلة التي تليها وبشكل مباشر ، وهكذا إلى أن نصل إلى مرحلة المكساج فنكتشف كما هائلا من الأخطاء الواضحة ، ولذلك تعودت في خلال فترة عملي مع الأستاذ / سعيد الشيخ أن أقوم بمراجعة دقيقة , حتى اكتشف تفصيلات جديدة قد تكون غابت عني قبل ذلك , وهكذا في كل جزء , حتى لا أترك مجموعة من الأخطاء تتفاقم إلى أن يصعب علاجها في المرحلة الأخيرة ، ويضيع كل ما أبدعته من عمل في أخطاء تقنية بسيطة يعتبر من قبيل العيب أن أقع فيها ، وأيضا لكي لا أتسبب في مشاكل لمن سيعمل في مرحلة أخرى بعدي ، ولكي أتعلم من الجزئية التي أجيدها وأضيف لنفسي ما يؤهلني للقيام بجزئية أكبر وهكذا . وهناك نقطة أخرى يجب ألا تغيب عن أعيننا ، وهي أنه كلما كنت متواضعا أثناء عملي ، كلما أرتفع مستواي من خلال ما كسبته من خبرات جديدة من تجاربي ومن تجارب الاساتذه الذين سبقوني وأيضا من زملائي في العمل .

طالبة:

ولكن ما الفرق هنا بين التواضع وعدم الثقة في العمل .

أ / عادل منير:

الفرق شاسع فالتواضع كما قلت يتيح لي أن أكتسب خبرات جديدة تؤهلني للأنتقال إلى مرحلة أكثر تعقيدا وهذا يزيد من ثقتي في إمكانية قيامي بعملي ، ولكن أقصد بعدم التواضع أن أترك الغرور يدخل نفسي لثقتي الزائدة عن الحد فيما أعمل أو بسبب مدح الآخرين لعملي ، فلا أهتم بأن أطور نفسي وأعتبر أنني قد وصلت إلى القمة ، أما الحديث عن عدم الثقة فهذا شعور هدام ، عكس الثقة بالنفس القائمة على التواضع التي تجعلني أسعد بلحظات نجاحي ولكن أسعى دائما إلى تطوير أدائي وزيادة خبراتي .

أ / علي بدرخان:

هناك نوع من الشخصيات ، يكتفي بالقليل من المعلومات السطحية ، عن بعض الحقائق المهنية أو المصطلحات التقنية ، ونجده يحدثك بثقة زائدة وهو لا يفقه شيئاً . إلا أن العيب الأكبر أن أتظاهر بمعرفة هذه المعلومات, فالمفروض ألا أخجل من الأعتراف بعدم معرفتي بهذه المعلومات وأسعى جاهدا إلى أن أتعلمها وأستوعبها جيداً ، حتى أستطيع أن أتعامل مع المواقف المهنية التي أمر بها ، فنجد مثلاً مخرجاً يقول إنه يريد تصوير لقطة ما باستخدام الـ SteadyCam  وعندما تسأله عن معنى الكلمة ، تجده لا يعرف ، فهو مجرد مصطلح سمع به ويردده ، دون معرفة حقيقة معناه أو أهمية إستخدامه .

أ/ عادل منير:

تأكيداً علي كلام الأستاذ علي بدرخان ، أنا لا أنسي موقف لمفكرنا الكبير الأستاذ لويس عوض , عندما كان يدرسنا  قام أحد الزملاء وذكر معلومة ، ففوجئنا بالأستاذ الكبير / لويس عوض يخبره أنه لا يعلم هذه المعلومة ، وبكل بساطة سأله عن مصدر هذه المعلومة فاخبره باسم الكتاب الذي قرأها فيه ، وببساطة المفكر الكبير الحاصل على أكثر من دكتوراه ، طلب من الزميل أن يعيره هذا الكتاب لكي يقرأه , وهو ما يؤكد أنه مهما وصل الإنسان من علم ، فهناك دائما المزيد الذي يستطيع أن يتعلمه وهذا لا يأتي إلا بالتواضع الذي تحدثنا عنه ، والفنان يستطيع دائما أن يستفيد طوال الوقت من خبرات الآخرين في كل المجالات مما يثببر موهبتنا ويزيدها عمقا وهكذا إلى ما لا نهاية .

أ / علي بدرخان:

هذه المسألة واضحة جدا في اللغات الأجنبية ، فعلى حين نجد شعوب البلاد الاسكندنافية مثلا تتحدث اللغة الإنجليزية بلكنة أجنبية وبشكل ركيك وقد يكون ضعيفاً لغوياً ، إلا أنهم لا يخشون من أن يتحدثوا ويخطئوا ويجدوا من يقوم بإصلاح أخطائهم ويسألون عن معنى لكلمة أو لفظ صحيح لكلمة أخرى ، وهكذا علي النقيض نجد في بلادنا من يختار إما أن يتحدث اللغة الإنجليزية كأهلها أو لا يتحدث على   الإطلاق ، أعني لا نحاول ونخطئ ونصيب إلى أن نصل إلى ما نريد واذكر أنه في بداية حياتي العملية كنت أعمل ملاحظاً للسيناريو مع المخرج الأستاذ / فطين عبد الوهاب ، لاحظت خطأ في الراكور الخاص بتصوير أحد المشاهد ، فأخبرت المساعد الأول ولكنه أصر على عدم لفت نظر المخرج إلى الخطأ الذي اكتشفته ، فقمت دون إدراك بإيقاف التصوير قائلا . Stop  ، وعلي حين كنت اعتقد أننى قمت بإنقاذ العمل ، إلا أنني لم أدرك أن هناك أصولاً يجب أن أراعيها حتى لو أردت إنقاذ الموقف ، وشعرت وقتها أن الأستاذ / فطين عبد الوهاب يريد أن يقتلني وأذكر أن الأستاذ / وحيد فريد وكان هو مدير التصوير في الفيلم ، هو الذي نبهني إلى حقيقة كانت غائبة عني في هذا الوقت وهي أن هناك إثنين هما اللذان لديهما الحق في إيقاف التصوير أحدهما المخرج , والآخر المصور إذا ما أخطا في حركة الكاميرا مثلا أيضا ، واستكمالا لحديثنا عن أهمية الدور الذي يلعبه كل من يشارك بالعمل السينمائي ومازلت أتحدث عن عملي كملاحظ للسيناريو ، فلو أن هناك لقطة تتضمن مجموعة يجلسون ويتحدثون داخل غرفة ثم يسمعون دقات على   باب الغرفة تمهيدا للقطة أخرى للباب في الخلفية حيث يفتح ويدخل الشخص الذي دق على الباب ، فمن منظور المونتاج يجب أن ينتهي أخر الشوط الأول بصوت الدقات على الباب ، وهنا يجب على كملاحظ للسيناريو أن أكون ملما بالمونتاج ، وعلى أن أنبه المخرج إلى وجود لقطة تالية سيدخل فيها الشخص من الباب ، وهذا طبعا إذا لم يتنبه هو لذلك من تلقاء نفسه ، وذلك لأن على المخرج أن ينمي لديه دائما حساً بالمونتاج ، يمكنه من القيام بعمله على الوجه الأكمل ، وملاحظتي للسيناريو لم تقتصر كما يتوهم البعض على ملاحظة أوضاع الممثلين خلال اللقطات ، مثل ممثل يضع رجلا فوق الأخرى ، والآخر يضع

يده بشكل معين ، ولم اكتف كما يكتفي البعض الأن بمصور يحمل كاميرا فورية لالتقاط صورة ثابتة للقطة ، واستخدامها فى تذكرتي بالراكور وانسى أو أتناسى أهمية الراكور الإيقاعي . فملاحظ السيناريو يساعد المخرج في بناء العمل أثناء المونتاج مثله في ذلك مثل باقي العناصر الأولية للعمل  ، فكل هذه العناصر تتعاون وتتكامل لكي يستطيع المخرج في النهاية من خلال المونتاج أن يقوم بتوصيل معنى ما أو إحساس ما يرغب في توصيله للمتفرج .

ودعوني أضرب مثالا أخر يخص الاضاءة ، فلو أنه تم تصوير مشهد لجريمة قتل واستخدمت أضاءة مبهرة , فمن منظور المونتاج سوف تؤدي هذه الإضاءة إلى تأثير سلبي علي إيقاع اللقطة , فلن يظهر هذا التأثير السلبي جودة أداء الممثلين ولا التوتر الذي تخلقه الموسيقي التصويرية أو المؤثرات الخاصة ، أو التشويق  suspense  الذي يخلقه تطويل اللقطة ، فقد أفسدت الاضاءة المبهرة الإحساس ، وعندها لا يوجد مفر من تصوير اللقطة بالكامل مرة أخرى.

إذن لابد أن تخدم كل العناصر هدفا واحدا هو تحقيق رؤية المخرج للعمل السينمائي ومثالا أخر يتعلق أيضا بضارب الكلاكيت ، فلو أننا بصدد تصوير لقطة لممثلة واقعة تحت تأثير الحزن وترفع عينها في الكادر وتملأ عينيها بالدموع تدريجيا إلى أن تسقط على خديها , فلو أنه قام بضرب ذراعي الكلاكيت بقوة وبشكل مبالغ فيه ، فهل تتصور أن هذه الممثلة سوف تصل إلى إحساس الحزن وتساقط الدموع بسهولة ، بالطبع لا ، مثالا أخر لعامل الكاميرا machinist  الذي يدفع الشاريوه ، بناءاً على توجيهات المخرج إلى متابعة حركة الممثل من علامة محددة إلى علامة أخرى ، فنجد عاملاً ينفذ تعليمات المخرج بشكل حرفي ويتحرك بين العلامتين المحددتين تماما ، وعاملا أخر يتوقف قبل العلامة الثانية أو بعدها قليلا , الفرق هنا بين الاثنين فرق في الأحساس ، فالأول يدفع الشاريوه وكل تركيزه على العلامات المحددة على الأرض , بينما الآخر يدفع الشاريوه ويتابع الممثل ويتحرك وفقا لحركة الممثل بصرف النظر عن العلامات ,أي أنه تحول من فني إلى فنان مشارك في العملية الإبداعية . وكل هذه العناصر كما أشرت تساهم في خلق تفاصيل اللقطة التي تعتبر أساس بناء الفيلم من خلال المونتاج أثناء تنسيق كل هذه العناصر في ضوء الرؤية الإخراجية ، حتى وإن تعرضت للتعديل أو الاضافة حتى مرحلة المكساج .

د / منى الصبان :

هل قمت بعمل الديكوباج لمشاهد من بعض أفلامك من خلال رؤية مونتاجيه معينة ، ثم بعد التصوير ، اختلفت هذه الرؤية تماما أم لا ؟

أ / علي بدرخان :

نعم حدث هذا ولكن ليس اختلاقا جذريا ، فاذكر في فيلم ( الجوع ) .

سعاد حسنى فى فيلم الجوع عام 1986

تم تصوير مشهد اعتمد علي حركة الكاميرا بعد مشهد مطاردة وذلك بعد إعداد ديكوباج للمشهد يراعي القواعد الأساسية مائة بالمائة ، لكن الإحساس بالإيقاع الذي توقعته على الورق لم أجده أثناء المونتاج ، بل وجدت أنه أيضا لا يخدم الهدف العام للفيلم.

أ / عادل منير:

لكنك فقط لم تجد الإحساس الذي توقعته تماما ؟

أ / علي بدرخان:

يجوز أن الإحساس المنفرد بالمشهد كان موجوداً لكن المحصلة النهائية للإيقاع لم أجدها ، ولأنه كان من الصعوبة تصوير أي إعادة , فكان الاقتراح بأن نكتفي بجزء من المشهد أي القطع في أضيق الحدود وعندما نجد ضرورة فنية لذلك فقط مما يحد من فرصة المونتير في العمل .

د / منى الصبان:

هل تستعيض عن القطع بحركة الكاميرا ؟

أ / علي بدرخان:

أنا أفضل عادة تصوير المشهد في لقطة واحدة مادامت اللقطة سوف تعبر عن الرؤية التي تجول بخاطري , أي أنه ما دامت اللقطة الواحدة تكفي لا أقوم بقطع المشهد لقطتين أبدا ؟

د / منى الصبان:

كيف تصل إلى تحقيق رؤيتك الإخراجية ؟

أ / علي بدرخان:

من خلال أداء الممثل ، حركة الكاميرا أو كليهما .

د / منى الصبان:

تعني من خلال الميزانسين .

أ / علي بدرخان:

بالإضافة إلى حركة الكاميرا فأنا أعتبر من قبيل البديهيات أن كل قطع لابد وأن يحمل معني جديداً أو أضافة للعمل ، وذلك عكس ما نري كثيرا أنه يتم استخدام القطع من دون داع إلى درجة تصل إلى أن يصبح وجوده أو عدم وجوده سيان ، فنجد مثلا أن هناك مشهداً لأثنين من الممثلين يتحدثان ، فيقوم المخرج بتصوير جملة حوار لممثل , ثم يقطع على لقطة أخري للممثل الأخر يرد عليه بجملة حوار أخرى ، وهذا الأسلوب لا الجأ أليه إلا إذا قضت الضرورة الفنية ذلك ، واعيتنى الحيل في الوصول إلى المعنى المراد من خلال لقطة واحدة One Shot .

د / منى الصبان:

لكي يأتي القطع في وقته المناسب ؟

أ / علي بدرخان:

تماما ، لكي أحسن استخدام القطع ، وقد ينجح البعض بأن يلجأ للقطع لأحداث حركة في المشهد ، وينسى أنه من الممكن إعداد الحركة ضمن ديكوباج المشهد منذ البداية، والوسائل لذلك كثيرة كما ذكرنا ، من خلال حركة الممثلين وحركة الكاميرا , ولا يمنعنا ذلك من استخدام القطع ولكن لابد من أن يضيف القطع بعداً جديداً للعمل ، لكن لا أن يكتفي البعض من المخرجين بروتين معين لإيقاع الفيلم فمثلا يبدأ بلقطة متوسطة Mediumثم لقطة من فوق كتف ممثل ثم لقطة من فوق كتف الممثل الأخر ، ثم لقطة قربيةClose  لكل ممثل ثم يعود مرة أخرى إلى اللقطة المتوسطةMedium ، أما أن يكون هناك ضرورة لإستخدام كل نوع من هذه اللقطات فهي قضية أخرى لا تشغل باله علي الإطلاق

طالبة :

متى تتخلى عن لقطات معينة ، أو تحتفظ بلقطات أخرى ، هل عند قراءتك للسيناريو, أو عند إعداد الديكوباج النهائي ,أو بعد بناء الديكور ,أو أثناء البروفات مع الممثلين ، وهل يتم خلق بعض اللقطات أثناء التنفيذ ؟

أ / علي بدرخان :

سوف أحدثكم عن أسلوبي الخاص للعمل , فبعد توزيع نسخ السيناريو على أفراد فريق العمل ، خاصة المونتير, ومهندس الصوت ، ومدير التصوير, ومصمم المناظر ,وطبعا الممثلين ، وقراءة كل منهم للسيناريو قراءة جيدة وبعد الوصول إلى اتفاق عام على السيناريو من خلال مناقشات كل منهم والتي قد تؤدي إلى تعديلات فيه ، بعد ذلك أعيد قراءته مرة أخرى ، وأقوم بتحديد عدد اللقطات التي أراها مناسبة لكل مشهد وفقا لرؤيتي العامة لموضوع الفيلم ، ثم أقوم بتسجيل عدد اللقطات لكل مشهد على الورق وليكن ثلاث لاحد المشاهد , وخمسة لمشهد أخر, وعشر لقطات لمشهد ثالث .

أ / عادل منير:

وهل يكون هذا التحديد لعدد اللقطات لكل مشهد نهائيا ؟

أ / علي بدرخان:

لا فأنا أقصد بهذا التحديد الانطباع الأول أو التخيل الأولي غير محدد التفاصيل بعد ؟

أ / عادل منير:

وعلى ذلك يمكن أن يقل هذا العدد أو يزيد .

أ / على بدرخان:

تماما ، لكن هذا التخيل المبدئي يعتبر أول مرحلة ، بعد ذلك أقوم بعمل  رسم تخطيطي Plan للديكور الخاص بموقع التصوير ، وإن لم أستطع حفظ عناصر موقع التصوير وأماكن وضع الكاميرات ، فعندها لابد أن احتفظ بهذا الرسم التخطيطي معي .

د / منى الصبان:

أو يمكن تصوير عدة لقطات فوتوغرافية للمكان .

أ / علي بدرخان:

ممكن ، لكننى أتحدث عن ابسط الإمكانيات التي يمكن أتاحتها .

د / منى الصبان :

لي تعليق على الأستاذ علي بدرخان ، فأنا أعتقد أن أكثر ما يجعل مخرجا يتميز عن غيره هي المرحلة التي يتخيل فيها مشاهد الفيلم ولقطاته قبل التصوير خلافا للمونتير الذي يبدأ مرحلة إبداعه بعد أن يتم خلق المادة الفيلمية المصورة .

أ / علي بدرخان:

وهناك من كاتبي السيناريو ، من لديه القدرة على ترجمة تخيله للسيناريو على الورق .

أ / عادل منير:

كنت أريد أن أسال عن العلاقة المهنية بين المخرج وكاتب السيناريو ، متى تبدأ ومتي تنتهي ؟

أ / علي بدرخان:

تبدأ هذه العلاقة بإختيار المخرج لاحد السيناريوهات التي تعرض عليه ، ويعتبر هذا الاختيار أول ممارسة من جانب المخرج للدور الفني الذي يلعبه ، ويتوقف إختيار المخرج لاحد الموضوعات على   إحساسه بأنه سوف يضيف شيئا ما من خلاله ، وهذا الإحساس ينعكس عن اقتناعه بالموضوع المبني على   الرؤية الفنية واتجاهاته الاجتماعية والسياسية الخ وبعد الاختيار ، وبعد أن يداعب السيناريو مخيلة المخرج ، يبدأ في بلورة رؤيته الإخراجية للموضوع من خلال التفاعل الذي ينشأ بينه وبين كاتب السيناريو ، وعلى كاتب السيناريو أن يمتلك الأدوات الحرفية التي تؤهله لكي يراعي ما تتطلبه تقنيات المونتاج بعد التصوير, وعلى ذلك فالسيناريو يتضمن جزءا من المونتاج كطول المشهد ، وتصوره لتغيرات الممثلين وردود الأفعال التي تصدر عنهم وفقا للموقف ، فيكتب مثلا تنظر البطلة إلى البطل نظرة احتقار . هنا يفرض إحداث قطع بعد نظرة الاحتقار ،وعندها يقوم المخرج بتنفيذه بدوره أثناء التصوير ، ويجب أن نعلم أن تصور المخرج للمشاهد قد يتفق مع تصور كاتب السيناريو وقد يختلف معه . وهناك ملاحظة جديرة بالذكر هنا , أنه يوجد من بين كاتبي السيناريو من يحدد مواضع القطع وحركة الكاميرا على الورق وهذا تدخل منه في مرحلة التنفيذ ، وفي الديكوباج الذي يقوم المخرج بكتابته، إلا أن أغلب هذه السيناريوهات يقوم كاتب السيناريو بنقلها عن أفلام تم تنفيذها بالفعل , لذلك عندما يكتب "قطع" فذلك لأنه قد رأي "قطع" فعلا في الفيلم الأجنبي الذي قام بالنقل منه , لكن الأصل في إعداد السيناريو ألا يكون فيه تحديد لموضوع القطع أو تحديد لحركة الكاميرا , بل أنه وصف للموقف أو الحدث والحركة إن إستطاع تخيلها بالمشهد ، فهو يقوم بكتابة المشهد بإحساسه الخاص وعلى المخرج أن يأخذ من هذا الإحساس دليلاً ولا يتجاهله لمجرد أن يخالف كاتب السيناريو, فقد يكون إحساس هذا الأخير بالمشهد عالياً فيصبح دور المخرج هنا هو محاولة تصور ماذا يستطيع أن يضيف من خلال رؤيته لاحساس الكاتب ، وهنا تظهر موهبة المخرج في بلورة رؤيته  وأذكر درساً للأستاذ المخرج يوسف شاهين عن أسس الإخراج المسرحي ، ركز خلاله علي أهمية المشهد الرئيسي Master Scene  ، يقول فيه لكي أتمكن من تنفيذ كادر ثابت ، أستطيع استقراء ذلك من خلال التكوين المسرحي Composition , ووضع أجسام الشخصيات Position  Body ، جالسين أو قائمين , ووجوهم ¾ Three Quarter,أو مواجهة Full Face أو خلفيةFull Back  ,أوأسفل المسرح Down Stage ,  أو على المسرح  Up Stage وكل من هذه الأوضاع تدلنا على معنى خاص يختلف باختلاف الوضع ، فمثلا أعطانا تمريناً مؤداه أن فلاحاً يدخل علي أهله منزعجا قائلا " الحقوا ، الدودة أكلت القطن " ومن دون الحوار, علينا أن نعمل على تكوين مجرد  كادر ثابت ،والمطلوب أن نتخيل الإطار العام للمسرح ، ووضع جسم الشخصيات والذي يترجم إحساساً أنه يوجد خطر بالخارج ولنا في ذلك مطلق الحرية في استخدام عناصر المسرح بشرط أن يصل الإحساس المطلوب ، وهنا نجد أنفسنا أمام إطارين أولهما الإطار العام للمشهد ، حيث نحاول وضع التكوينComposition الذي يعبر عن الحالة العامة للمشهد مرح أو حزن أو غضب أو انزعاج أو . الخ ، ثم نحاول تحديد تفاصيل المشهد وذلك بعد تحديد اللقطة الرئيسية Master Shot  , التي تعتبر أساس المشهد وذلك بعد تحديد عدد اللقطات التي تكون المشهد ، والإطار العام في التمرين الذي ذكرناه علي سبيل المثال هنا هو حالة الخطر واللقطة الرئيسية هى في دخول الفلاح ، وإلقائه للجملة التي تحمل معني هذا الخطر ، ويتبقى باقي لقطات المشهد التي تم تحديدها والتي تحمل في طياتها عدداً من التفاصيل التي تؤكد المعنى الذي نريد توصيله للمتفرج وهو معنى الخطر: واعتقد أن المثال يقرب إلى أذهانكم أسلوب تحديد اللقطات التي يتكون منها كل مشهد ، وهكذا وعندما أقوم بإعداد الديكوباج للمشهد التالى مثلا ، أقوم بإعادة قراءة الديكوباج الخاص بالمشهد الأول ، من أول لقطة لآخر لقطة .

طالبه :

وهل تقوم بإعداد الديكوباج بترتيب المشاهد , أم أنه يوجد بعض المشاهد التي تقوم بإعداد ديكوباج خاص بها ؟

أ / علي بدرخان :

عادة ما أقوم بإعداد الديكوباج بترتيب ورودها فى السيناريو، أما بالنسبة لمسألة الديكوباج الخاص فأنا عادة لدي نوتة صغيرة أستعملها في أي مكان لتسجيل فكرة قد تطرأ لي , أو لتسجيل لقطة رأيتها في الشارع من الحياة مثلا ، أجد أنها تصلح للاستعانة بها في أحدى لقطات الفيلم ، أو أنها سوف تثري الإحساس الخاص بأحد المشاهد فأقوم بتسجيلها كملحوظة في النوتة ، وهكذا أي تفاصيل قد أراها مفيدة للعمل

د / منى الصبان:

تماما ، مثل الشاعر الذي يحمل معه ما يسجل فيه أبياتا شعرية كلما أتاه الإلهام .

أ / علي بدرخان:

إلى حد ما ، ويمكن أن أسجل ملاحظات خاصة بالأداء التمثيلي ، المهم ، عند التنفيذ ، أجد لدي أولا- الانطباع الأول الذي تحدثنا عنه أو التصور المبدئي لعدد اللقطات التي أراها مناسبة لكل مشهد ,وثانيا- اللقطة الرئيسية Master Shot التي قمت بتحديدها للمشهد ، وثالثا- النوتة التي تشتمل على الملاحظات والتفاصيل الصغيرة التي رأيت أنها قد تفيد بعض المشاهد ، فأبدأ بإعداد الديكوباج على   أساس هذه العناصر الثلاثة حتى وإن لم استعمل أحدها وحتى إن قمت بإجراء تعديل على التصوير المبدئي للمشهد ، حيث تأتى هذه التعديلات وفقا لعوامل عديدة ، فمثلا قد يكون التصوير المبدئي الذي وصفته للمشهد يتضمن ثلاث لقطات ثم لقطة قريبة Close up  ,أو يتم تعديل ذلك إلى إحداث قطع Cutting  فيصبح السؤال هنا أي الأسلوبين أنسب للمشهد وللإجابة على السؤال لابد وأن أكون مستوعباً تماما التأثير الذي يحدثه كل من الأسلوبين في إيقاع المشهد وبالتالي في نفس المتفرج ، وبعض المخرجين قد يلجأ لتنفيذ كلا الأسلوبين ويؤجل قرار الاختيار والإجابة على السؤال لمرحلة المونتاج على المفيولا .

طالب :

ألا يعتبر ذلك عيباً في الإخراج ؟

أ / علي بدرخان:

بالطبع يعتبر عيباً ، أن يصل المخرج إلى عدم التأكد من إحساسه بالمشهد ، أو إلى عدم القدرة على اتخاذ قرار بشأن المشهد فيقوم بالتنازل عن عملية إخراج المشهد إلى المونتير ، ويتركه لكي يتخذ القرار نيابة عنه

طالبة :

ألا يشفع كون المخرج في بدء حياته العملية لاتخاذه هذا الأسلوب في العمل ؟

أ / على   بدرخان:

لا , حيث يفترض أن هذا المخرج قد درس , ولا أقصد أنه قد جرب ، بل درس القواعد . قواعد عملية الإخراج ، فإذا وصل إلى حالة من العجز عن الإحساس ببعض المشاهد ، وهذا قد يحدث لآي مخرج ، فبإمكانه دائما أن يلجأ للقواعد المعروفة ، تماما كما يقال بالنسبة للغة ( سكن تسلم )، ويقوم عندها بتقليد الأمريكان عند تنفيذ مشاهد الحرب مثلا ، فلديه ما يشبه الباترون الخاص بتفصيل هذا النوع من المشاهد ، ودائما ما ينجح هذا الباترون ، إذا قام بتنفيذه ، سوف ينتج عنه معركة ناجحة مائة بالمائة ، طبقاً للقواعد المعروفة مثلا من  Medium إلى  Close  إلى  Counter  إلى Long  إلى Counter   إلى Close وهكذا ولكن أن تكون هذه المعركة الأنسب لهذا الفيلم فهذه قضية أخرى ، إنما لا يستطيع أحد أن ينكر أنها معركة سليمة مائة بالمائة .وجدير بالذكر أنه يوجد عدد من الكتب مثل كتاب Grammar Of Film Directing  تم ترجمتها إلى اللغة العربية وأنا اعلم أن هناك مخرجين قاموا بإخراج أفلام طبقا للقواعد الواردة في هذا الكتاب ، والشيء الرائع في مثل هذه الكتب أنه يضع أمام المخرج كافة الاحتمالات التي يمكن أن تخطر علي بال لأي نوع من المشاهد وليس على المخرج إلا إختيار أحد هذه الاحتمالات ، وكما قلت لا يلجأ المخرج إلى هذا الأسلوب إلا في حالة عجزه عن الوصول إلى الإحساس الخاص ببعض المشاهد ، أما لو أن لديه هذا الإحساس الخاص ، فلا أنصح هنا بالاستعانة بالقواعد المعروفة ، حتى لو كان الإحساس الخاص بالمشهد يأتي على عكس هذه القواعد ، لان هذا الإحساس هو الذي سوف يعطي القيمة للمشهد ، هذا من ناحية ، وسوف يستطيع المخرج تنفيذه أفضل مما لو قام بتطبيق القواعد المعروفة ، وهذا بشرط أن يكون المخرج متمكناً من موهبته ومن أدواته بالقطع .

د / منى الصبان:

هل نفهم من حديثك أنك عندما تبدأ العمل في أحد الأفلام ، يصبح هو الشيء الوحيد المسيطر على تفكيرك ؟

أ / علي بدرخان:

هذا صحيح فعلا .

طالبة :

لكن متى بالتحديد يختلف التنفيذ عن التصور الأول الذي يكون لديك عند قراءة السيناريو ؟

أ / علي بدرخان :

هناك عوامل عديدة تدفع المخرج إلى إحداث تغيير في الديكوباج الذي قام بإعداده أثناء التنفيذ ، أهمها الظروف الطارئة التي قد تواجهه أثناء التصوير ، ويختلف المخرجون في القدرة على إحداث التغييرات تبعا لمدى الخبرة العملية التي يمتلكها كل منهم ، ومثالا على   ذلك ، أذكر أنه أثناء تصوير أحد المشاهد الحميمية بين أثنين من الممثلين ,كان التصوير المبدئي للمشهد مكتوباً علي أساس تسع لقطات ، ولكنى فوجئت بأن أحد الممثلين لم يحضر لموقع التصوير ، وكان موقع التصوير خارجياً ومدفوعاً إيجاره ، والمشهد يتضمن مجاميع ومعمول حساب لغذاء العاملين بالفيلم ، أعني أنه إذا اخترت إلغاء التصوير في هذا اليوم ، فمعني ذلك فرض تكاليف إضافية على ميزانية الفيلم نحن في غنى عنها . فكان لابد من إيجاد حل لهذه المشكلة .

طالب :

هل يمكن أن يتم تصوير لقطات للممثل الموجود إلى أن يأتي الممثل الآخر ويتم استكمال التصوير؟

أ / علي بدرخان:

ممكن ، برغم صعوبة توفير الظروف نفسها لموقع التصوير من حيث الإضاءة الطبيعية مثلا ، المهم ونحن بصدد محاولة إيجاد حل ، جاء الممثل الأخر ولكن متأخراً عن ميعاده ولم يبقى على وقت إيجار الموقع سوى ساعة ونصف وأنا مازال أمامي تسع لقطات لم يتم تصويرها ، فأصبح أمامي مشكلة من نوع أخر لابد من إيجاد حل لها , فلم أجد أمامي إلا أن أقوم بدمج اللقطات مع بعضها مع اختزال عددها من تسع لقطات إلى عدد أقل ، فمثلا كان لدي لقطة للممثل الأول يبكي ولقطة أخرى للممثل الثاني يحاول التسرية عنه ولقطة أخرى طويلة ، فكان لابد من إلغاء الأجزاء الطويلة والقيام بتصوير لقطة واحدة  تتضمن الإحساس العام للمشهد من دون تقطيع ، فأمرت بإعداد شاريوه دائري لكي أتمكن من الوصول لهذا الإحساس من خلال تضمين عدد من  اللقطات القريبة في لقطة واحدة ، وبالطبع لابد وأن يكون أداء الممثلين هنا سليما تماما لكي نصل إلى الإحساس العام للمشهد ، وهكذا في خلال الوقت المتبقي المتاح لدينا تم إختزال التسع لقطات إلى ثلاث فقط ، وهكذا ترون أنه يوجد من ظروف العمل وظروف الإنتاج ما يجب مراعاته  عند التصوير وهذا ليس عبئاً ، فيجب على المخرج أن يدرك أن العمل السينمائي صناعة أيضا وهناك ظروف أخرى قد تدعو إلى تغيير موقع التصوير لكني لست مع اللجؤء إلى هذا الحل ، لانه قد يتضمن تنازلات لا تكون في صالح العمل السينمائي ، وبشكل عام إذا تعارضت مصلحة الإنتاج مع الصالح العام للفيلم ، فالأفضل أن يتم إعطاء الأولية لصالح العمل حتى ولو كان معنى هذا إضافة أعباء على الإنتاج سيتم تعويضها على المدى البعيد .

د / منى الصبان:

نريد أن نعرف كيف تقوم بإعداد المشاهد التي تتطلب استخدام الفوتومونتاج قبل تسليمها للمونتير ؟

أ / علي بدرخان  :

أنا لم استخدم هذا النوع من المونتاج في أعمالي .

أ / عادل منير:

يمكن تصوير عدة لقطات مختلفة ، لكي أجد في كل لقطة شيئاً جديداً ومختلفاً لكي أعبر عنه من خلال الفوتو مونتاج ، لكن لا يصح تصوير عدة لقطات للعنصر نفسه من أكثر من زاوية لكي أختار بين هذه الزوايا .

د / منى الصبان:

لكن يمكن التصوير من أكثر من زاوية للعنصر نفسه على أساس أن مشاهد الفوتو مونتاج تكون صعبة التخيل إلى حد كبير لدرجة يصعب معها تحديد بنية Structure  المشهد أثناء التصوير .

أ / علي بدرخان :
يوجد أحد المشاهد من فيلم ( الكرنك )


سعاد حسني فى فيلم الكرنك عام 1975

 

قد يكون قريب الشبه بالفوتومونتاج وإن يكن كذلك .  كان المشهد للفنانة سعاد حسني وهي تعبر الشارع بنية الانتحار أمام سيارة تأتي مسرعة ، وكان هناك أكثر من قطع على جريدة ملقاة علي الأرض ، فهنا نحن أمام ثلاثة عناصر ، عنصرين من الثلاثة تم تصويره في لقطة واحدة ،  والعنصر الثالث ، وهو الجريدة الملقاة على الأرض تم تصويره Zoom In  ثم تم تركيب لقطة الجريدة ولقطة وجه سعاد حسنى كعاشق ومعشوق ومعهما لقطة السيارة , فهنا كان حجم الجريدة يكبر بنفس الإيقاع الذي يكبر به حجم وجه سعاد حسني ، وكان يمكن لمخرج أخر أن يقوم بتصوير الجريدة عدة لقطات من أكثر من زاوية وبأكثر من حجم ويقوم بتركيبهم  بأسلوب الفوتومونتاج بمعني تدل فيه على مرور فترة زمنية أو تطور علاقة بين شخصين.

طالب :

وهل يقتصر دور المونتير هنا على خلق الإيقاع أم يمتد ليشمل أوجه أخرى للإبداع الفني ؟

أ / علي بدرخان:

دور المونتير كما سبق وأن قلت دور مشارك في عملية الإبداع ، وسأحكي لكم مثالا عمليا مررت به أثناء حياتي المهنية وكان يعمل معي الأستاذ المونتير سعيد الشيخ ففي البداية لم أكن أجيد الحكم على اكتمال اللقطة مونتاجيا لأنه لم يكن قد تولد لدي الحس المونتاجي الذي اكتسبته من احتكاكي بمونتير متميز كالأستاذ / سعيد الشيخ ، فاقتصر حكمي في البداية علي اكتمال اللقطة من حيث الأداء والإحساس العام فكنت أطلق صيحة Stop  على هذا الأساس واكتشف علي طاولة المونتاج من خلال ملاحظات الأستاذ سعيد الشيخ أن إنهاء اللقطة جاء متأخراً أو مبكراً قليلا , واكتشفت بعدها أن طول اللقطة أهم كثيرا من اللقطة نفسها ، وهو الذي يخلق الإيقاع العام للفيلم ويتيح للمتفرج أن يتشبع باللقطة وبالتالي يحدث التأثير المطلوب في نفسه فمثلا لو قلنا أن المونتير لديه ثلاث لقطات عامة , ومتوسطة , وقريبة واكتشف المخرج أثناء المونتاج وجود خطأ في الأخراج في اللقطة المتوسطة Medium  أو العامة Long  فإن المونتير يستطيع في هذه الحالة الاستفادة من جزء قد يكون زاد فى لقطة أخرى لكي يخفي العيب الذي تم إكتشافه  .ولكن بشكل عام المونتير لديه مطلق الحرية لكي يزيد من طول لقطة أو يختصر من طولها أو يلغي لقطة تماما إذا كان ذلك في صالح الإيقاع العام للعمل .

أ / عادل منير:

أريد أن أنبه إلى أن حجم التدخل الذي يقوم به المونتير الذي يعتقد أنه صغير مهما كان هذا الحجم ليس سهلا علي الإطلاق ، فمحاولة خلق إيقاع مونتاجي يتناغم ويتناسق مع الإيقاع الإخراجي وفي نسق واحد مع إيقاع السيناريو ,عملية إبداع بالغة التعقيد ، حتى لو لم يتدخل المونتير بحذف لقطة مثلا وحتى لو أقتصر عمله على تنفيذ رؤية المخرج .

أ / علي بدرخان:

ووجه التعقيد في هذه العملية يرجع إلى أن المونتير يتسلم مادة مصورة حاول المخرج أن يترجم من خلالها عمل كاتب السيناريو المكتوب على الورق ويتم بلورة أحد المشاهد في ثلاث لقطات مثلا ، ويحاول المونتير أن يضيف من إحساسه الخاص إلى هذه المادة المصورة حيث يفترض كما سبق وأن أشرنا إلى أن مجموعة العمل اتفقت على إحساس عام محدد لموضوع العمل يتم ترجمته من خلال الإيقاع العام للفيلم ، وهذا هو دور المونتير الفعلي وإلا تشابه دوره مع دور المخرج أو مع دور كاتب السيناريو ، ولكي نوضح هذه الإضافة التي يضعها المونتير , قد تجلس لمشاهدة بعض المشاهد قبل المونتاج ، ويكون الانطباع الأول المتكون لديك عبارة عن شعور بالغ بالملل ، ثم يتم إضافة المؤثرات فيزيد إحساسك بتلك المشاهد قليلا ، ثم يقوم المونتير بإضافة الموسيقى التصويرية فينتقل انطباعك الأول من الشعور بالملل إلى الشعور بالمتعة ، وهنا بالطبع على سبيل المثال فهناك بعض المشاهد التي يتم اثرائها من خلال الموسيقي التصويرية و الاكتفاء بعناصر أخرى كالأداء التمثيلي أو حركة الكاميرا أو غيرها ، وهذا الإحساس يتم التوصل إليه من خلال تفاعل رؤية المخرج وخبرته مع رؤية المونتير وخبرته .

د / منى الصبان:

بمناسبة الحديث عن الموسيقي ، نريد أن نعلم في أي مرحلة تفكر في الأعداد للموسيقي التصويرية والمؤثرات ؟

أ / عادل منير :

لي تعقيب صغير قبل المضي في الحديث ، اذكر أنني اختلفت مع الأستاذ علي بدرخان أثناء مونتاج فيلم ( الجوع ) حول الموسيقي التصويرية ، وكان لي رأي أن المناطق التي طلب وضع الموسيقي التصويرية لها كانت أكثر من اللازم ، إلا أنه صمم على إختياره لهذه المناطق وهذا حقه كمخرج ، وصحيح أن المخرج يستعين بأفراد فريق العمل الآخرين في الوصول إلى اتفاق حول الإطار العام للعمل ، ولكن أحيانا يكون لديه رؤية أخراجية خاصة تتعلق بإبداعه الخاص كمخرج ، فتنازلت عن رأيي ، وفي أحدى الندوات قامت واحدة من الحضور وأثنت على الموسيقى الخاصة بالفيلم وأشارت إلى أن المواقع التي استخدمت فيها كانت مبدعة فنظر إلى الأستاذ علي بدرخان نظرة لها معان

أ / علي بدرخان:

أريد أن أسجل اعتراضى علي كلام الأستاذ عادل  ، فأنا أعترف أني ضعيف فيما يتعلق بالموسيقى بشكل عام ولأننى لم أعتد الاستماع إلى الموسيقي بشكل عام,  ولم أتأكد من مناسبة قطعة الموسيقى لاحد المشاهد إلا بعد أن أسمعها مصاحبة لهذا المشهد .

طالبة :

لكن ألا تحدد مسبقا المواضع التي ستستعين بالموسيقى التصويرية لمصاحبتها ؟

أ / علي بدرخان:

يمكن ، في حدود مشهدين أو ثلاثة ، أعلم أن استخدام الموسيقى كمصاحبة لها سوف يدعم الإحساس العام للمتفرج ، لكن بشكل عام أستمع لاقتراحات المونتير فيما يتعلق بالموسيقى ، فلا تصدقن كلام الأستاذ / عادل فأنا لا أتشبث برأيي فيما يختص بالموسيقى لإدراكي أنني ضعيف في هذه النقطة فقد لا يكون حكمي فيها صائبا مائة بالمائة .

طالب :

أعتقد أنه حتى لو كان المخرج متذوقاً جيداً للموسيقى ، فالحكم على هذا الأمر يختلف اختلافاً كبيراً عند استخدام قطعة موسيقية بالذات على مشهد بعينه .

أ / عادل منير:

أعتقد أنه التخيل الوحيد المطلوب من المخرج والمونتير ، فالخطة العامة Plan  مثلا أو التصور المبدئي الذي تحدث عنه الأستاذ / علي عندما يقوم بتقسيم المشهد إلى ثلاث لقطات أو خمس أو غيره ، يشبه التصور المبدئي الذي يضعه الكاتب للسيناريو من حيث أنه هناك معلومات ما تم تسجيلها مثلا في أحد المشاهد كان يجب تسجيلها ، مشهد أخر مبكر أو متأخر قليلا وفقا للخطة العامة للسيناريو ، الأمر نفسه ينطبق على الموسيقي ، فيجب أن يكون هناك خطة عامة Plan  يتبعها أن تقوم بتجربة الموسيقى على المادة المصورة .

أ / علي بدرخان:

أريد أن أضيف أنه أحيانا في مرحلة مونتاج الفيلم ، قد نشعر أن أحد المشاهد يحتاج إلى الموسيقى ، برغم أن ذلك لم يكن ضمن الخطةPlan الذي تم إعدادها مسبقا وذلك لأنه تعرض لخطأ أثناء التنفيذ أو عيب في أداء ممثل مما يشعرك بوجود نقص في المشهد وأنه غير كامل ، فلكي نستطيع أن ندعم الإحساس العام للمشهد يتم إضافة الموسيقى وقد يتم إضافه أحد المؤثرات أيضا .

طالب :

أريد أن أسأل عن الخطة Plan  العامة ، هل يمكن وضع التصور المبدئي لمواضع الموسيقى أثناء بناء المشهد تماما كحركة الممثلين وحركة الكاميرا ؟

أ / عادل منير:

الخطة العامة ، تتضمن مثلا أربعة عشر مشهدا ,وموضح في السيناريو ككل أنه يمكن أن يصاحبهم موسيقى .

أ / علي بدرخان :

وهذا الدور يقوم به أحيانا كاتب السيناريو, فمثلا نجده يسجل ذلك كملحوظة ( موسيقى حزينة ) أو موسيقى تعبر عما يعتمل في نفس البطل وهكذا .

أ / عادل منير:

تماما ، فلو لم يكن لدي التخيل المبدئي العام لهذه المواضع الأربعة , فلن أتمكن من التدخل بالتعديل في النسخة النهائية ، والثابت أنه كلما كان هناك علاقة بين الفكرة العامة للسيناريو وبين مجموع المشاهد التي سيضاف اليها موسيقى كلما كان تحديد المونتير لمواضع الموسيقى يسيرا ، أما لو كان هناك ارتباك بعض الشئ في السابق ولم يتم تداركه كلما أحدث ذلك اختلالا في إمكان تحديد مواضع الموسيقى .

طالبة :

كيف يتم حساب التأثير الذي يمكن أن تضيفه الموسيقى إلى الصورة ، وهل يتم مراعاة ذلك التأثير علي كل لقطة على حدة أو على المشهد ككل ؟ وهل يمكن أن يغطى تأثير الموسيقى على تأثير الصورة أو العكس ؟

أ /علي بدرخان:

إذا طغى تأثير الموسيقى على تأثير الصورة فلا يعني ذلك سوى أن الصورة ضعيفة وأنه قد حدث خلل أثناء التنفيذ

أ / عادل منير:

لا يمكن أن نتخيل طغيان الموسيقى على تأثير الصورة إلا من خلال فيلم بطله فنان موسيقى ، كفيلم  Amadeus ، برغم أن صورة الفيلم كانت فريدة ومبدعة ، وبرغم أنه ليس من المفترض أن يحدث صراع بين الصورة ، والموسيقى بشكل خاص والصوت بشكل عام ، بل المفترض أن يحدث التكامل بين عناصر الفيلم الرئيسية . فمثلا في أسلوب الأستاذ / شادي عبد السلام ، الصورة هي الأصل ثم الموسيقى عبارة عن إضافة أشياء صغيرة جدا ولذلك علينا استخدام الصوت بإيجاز شديد ، فالصوت يعطي مجرد تلميحات Hints  فقط للصورة فنحن نتعامل في الأساس مع فن مرئي .

د / منى الصبان:

أريد أن أعرف من الأستاذ علي بدرخان ، هل صادفتك مشاهد أثناء إعداد الديكوباج لها وفكرت في الاكتفاء بإضافة مؤثرات طبيعية فقط وتأكدت من عدم احتياجها إلى أكثر من ذلك أثناء التنفيذ أو العكس ؟

أ / علي بدرخان:

حدث في فيلم ( الكرنك ) أنه تم إعداد ديكوباج لاحد مشاهد التعذيب وكان المؤثر المصاحب لهذا المشهد صوت نباح كلاب ، وكنت أريد أن اكتفي بأصوات الكلاب ، لكن نظرا لأنه بعد التنفيذ ، لم تكن الصورة عنيفة بالشكل المطلوب لكي تعبر عن الإحساس العام للمشهد برغم وجود صوت الكلاب اقترح الأستاذ / سعيد الشيخ إضافة موسيقى إلى المؤثر لكي تدعمه فبدأنا بالمؤثر ثم دخلنا بالموسيقى بشكل متصاعد لإحداث التأثير المطلوب . وفيما يتعلق بإيقاع أداء الممثل ، فأنتم تعلمون أنه يتم تصوير اللقطات وفقا لموقع التصوير وليس حسب تسلسلها النهائي في الفيلم ، فمثلا في أحد أيام التصوير وفي موقع ما من مواقع التصوير ، مقرر أن يتم تصوير مشهد 6 ومشهد 72 في هذا الموقع ويتصادف أن إيقاع مشهد 6 سريع بينما إيقاع مشهد 72 بطيء ، فهنا لكي يؤدي الممثل دوره وفق الإيقاع المختلف لكل مشهد ، فلا بد بداية وأن يكون ملماً بالإيقاع العام للفيلم ككل ، ويتساوى هنا في ذلك بطل الفيلم مع باقي الممثلين ، فبطل الفيلم يذاكر الفيلم من أول مشهد لآخر مشهد وذلك لانه قاسم مشترك في أغلب مشاهد الفيلم ، أما بالنسبة لممثل  أخر يؤدي دوراً ثانوياً ، فيجب أن يهتم المخرج بأن يشرح له أبعاد المشهد وعلاقته بالمشاهد الأخرى ويوضح له المرحلة التي يمر بها أثناء هذا المشهد لكي يستطيع أن يؤدي دوره المطلوب منه في هذا المشهد بإيقاع متناغم مع إيقاع باقي الفيلم  .ويتناول المخرج كافة التفصيلات الصغيرة التي تحقق ذلك من طريقة سيره إلى أسلوب حديثه ، ولا يكتفي منه بأن يلقي حواره صحيحا أو أن يؤدي تعبيرا سليما ، فإيقاع الحوار في حد ذاته مرتبط ارتباطاً كبيراً بإيقاع المشهد الذي يرتبط بدوره بإيقاع الفيلم ، فمثلا قد يضطر الممثل أثناء التصوير إلى الإعادة أكثر من مرة لكي يصل إلى إيقاع أسرع للحوار ، وهكذا ، ويذكرني ذلك بأسلوب يوجه به بعض المخرجين الممثل إلى إلقاء الحوار بسرعة كبيرة جدا وعدم إلتقاط أنفاسه بين جمل الحوار ، وهذا بالطبع خطأ إخراجي وعدم وعي بالتقنيات التي يمكن استخدامها لتصل بالممثل إلى إيقاع سريع للحوار ، خاصة وأنه يفترض أن الممثل يعيش السيناريو مع المخرج ومع باقي فريق العمل ، من أول مرحلة ، ويفترض أحيانا أن الممثل وصل إلى حالة من الإيقاع الداخلي تتفق والإيقاع العام للفيلم ، فيمكن مثلا من خلال تقطيع جمل الحوار بشكل معين مع التقاط الأنفاس أن أصل إلى سرعة الإيقاع التي أريدها ، شأنه في ذلك شأن المونتاج ، فالممثل لابد وأن ينمى لديه الحس الإيقاعي تماما كالمونتير ، وعلى سبيل المثال فالمونتير لا يشترط أن يلجأ إلى اللقطات القصيرة الكثيرة العدد لكي يصل إلى إيقاع سريع للمشهد ، بل يمكن من خلال لقطات قصيرة تليها لقطات طويلة يتوفر بها عنصر الحركة ، أن يزيد من سرعة إيقاع المشهد بشكل أكبر من اللقطات القصيرة الكثيرة التي قد ينتج عنها شعور بالرتابة ، وهذه الرتابة تنتج أيضا من أداء الممثل بإيقاع واحد لا يتغير وهو في هذه الحالة إلغاء جمل الحوار بشكل سريع  .

د / منى الصبان:

يذكرني ذلك بالأسلوب الذي يؤدي به الممثلون الذين يعملون مع الأستاذ المخرج يوسف شاهين ، والذي يتطبع بأسلوبه الخاص ومنهم الفنانون هدي سلطان ، محسنة توفيق ، وداليدا , وعزت العلايلي ، ومحسن محي الدين .

أ / علي بدرخان :

هذا موضوع أخر تماما وأنا من خلال خبرتي في العمل كمساعد للأستاذ يوسف شاهين أجده في حواره مع الممثل يصل إلى خلفيات في منتهى العمق لا يستطيع أغلب الممثلين الوصول إليها ، فيشعر الممثل أن فهمه للدور يقل كثيرا جدا عن فهم المخرج للدور ، فعندما يؤدي دوره ، يؤديه بنفس الشكل الذي شرحه المخرج .

طالب :

لكن هذا لا ينطبق على الفنان محمود المليجي .

أ / علي بدرخان:

فعلا ويمكن أن أحدثكم عن خبرتي في العمل مع الأستاذ محمود المليجي ، في الأفلام التي قام      بإخراجها الأستاذ يوسف شاهين ، كفيلمي العصفور والاختيار ، فكان الأستاذ يوسف يطلب مني  بأسلوبه    ( ررروح ححححفظ محمود ) فأستجيب وأذهب لكي أقوم بمراجعة الحوار مع الأستاذ محمود المليجي ، وكان رحمة الله عليه لديه قدرة كبيرة على الحفظ ، فكان يحفظ الحوار من مجرد إلقائي له من دون أن يحتاج إلى ترديده على مسامعي ، فيأتي أمام الكاميرا أثناء البروفة ، فيلقي الحوار صحيحا تماما اللهم إلا من كلمة مثلا أقوم بتصحيحها له ، ثم يأتي دور الأستاذ يوسف شاهين فى توجيهه ، فكان الأستاذ محمود لا ينظر في عين الأستاذ يوسف بل ينصت لما يقول فقط إلى أن يعي تماما المطلوب منه ، ثم يجلس ، وحده علي مقعد يسترجع ما سمعه منه ، ثم يأتي ميعاد التصوير فأخبره فيأتي ، ليؤدي دوره بالضبط كما أراد الأستاذ يوسف شاهين ولكن من خلال محمود المليجي .

د / منى الصبان:

وليس من خلال الأستاذ يوسف شاهين ؟.

أ / علي بدرخان:

تماما ، لانه يعلم تماما إمكانياته كممثل من ناحية الأداء ومن ناحية قدرته على التوغل في أعماق الشخصية التي يؤديها ، ويذكرني ذلك بموقف مررت به في أول فيلم قمت بإخراجه ، وكان الأستاذ عبد الحليم نصر رحمة الله عليه مدير تصوير الفيلم ، ففي أثناء تصوير أحد المشاهد ، كان عبارة عن لقطة لممثلة تجلس علي كرسي وأحد الممثلين أمامها ، فقمت بتصوير اللقطة من خلف كتف الممثلة , وطلبت لتصوير الزاوية الأخرى  أن تكون الكاميرا من وراء ذراع الممثل الواقف أمامها في مستواه بحيث يظهر وجه الممثلة ، فاعترض الأستاذ عبد الحليم نصر ، وأخبرني أن ذلك لا يجوز تنفيذه ولما سألته عن السبب ،
أخبرني أن المعتاد في مثل هذه المواقف تصوير اللقطة أمورس من وراء كتف الممثلة مثلا فلا بد أن تكون اللقطة التالية أمورس أيضا من وراء كتف الممثل الذي يقابلها ، وبرغم أن إحساسى أن الكاميرا ستكون عالية أكثر من اللازم ، لكن إصرار الأستاذ عبد الحليم نصر ، وعدم قدرتي على مجادلته بسبب ضعف خبرتي في ذلك الوقت ، وعدم إدراكي للشكل الذي سوف تظهر به علي طاولة المونتاج ، لم يمكني من الدفاع عن وجهة نظري ، فاستجبت لما قال ونفذت المشهد كما أشار. إلا أنني أثناء المونتاج على المفيولا ، لمت نفسي لأننى استجبت لكلامه ، وتأكدت من صدق إحساسي بالمشهد وذلك يشبه تماما ما يحدث للممثل الذي يقف أمام المخرج الأستاذ يوسف شاهين ، فيوسف شاهين كممثل أقوى كثيرا من الممثلين الذين يعملون معه ، فيفاجأ الممثل بأداء قوي ومبهر من الأستاذ يوسف شاهين , أداء تمثيلي بكل ما تحمل الكلمة من معان لدرجة أن يقترب بأحاسيسه إلى البكاء ويشاهده وقد أغرورقت عيناه بالدموع لو تطلب المشهد ذلك ، فيتكشف الممثل أن أي أداء قام باستحضاره مسبقا لهذا المشهد لن يرقي لاداء الأستاذ يوسف شاهين فلا يصبح عندها أمامه إلا أن يتعلق بالأداء الذي شاهده من الأستاذ يوسف شاهين .أما الأستاذ محمود المليجي ، فيعي تماما أن الأستاذ يوسف شاهين عندما يقوم بشرح الدور بهذا الأداء ، إنما يحاول أن يقوم بتوصيل معنى إليه ، لا أن يقوم بتوصيل أسلوب أداء فالأستاذ يوسف شاهين إنما يريد أن يقرب المعنى الذي يحاول شرحه لهذا الممثل

د / منى الصبان:

لكن هذا الأمر ملاحظ في جميع الممثلين الذين عملوا معه .

أ / علي بدرخان:

لا ليس جميعهم فأستطيع أن أشير إلى ممثل أخر لم يقع في براثن أسلوب أداء الأستاذ يوسف شاهين هو الفنان علي الشريف رحمة الله عليه فلديه موهبة فطرية مائة بالمائة ، يؤدي بتلقائية شديدة ، فكان يجلس أمام الأستاذ يوسف شاهين لكي يفهم المطلوب منه ، وبعد أن يستوعب ذلك ، تجده يؤديه كعلي الشريف لا كيوسف شاهين ، وكان يمتلك خبرة أخرى أيضا وهي أنه لم يكن يعير أدنى اهتمام لكيفية ظهوره على الشاشة من الناحية الشكلية.


Copyright © 2007 arabfilmtvschool.edu.eg,
All Rights Reserved
Dr. Mona El Sabban