حلقة بحث مع الأستاذ / سمير سيف

وطلبة المعهد العالي للسينما - قسم المونتاج

د/سمير سيف :

محدثكم سمير سيف ، تخرجت من المعهد العالي للسينما – قسم الإخراج – في يونيو 1969 ، وما أزال أعمل بالمعهد حتى هذه اللحظة . وقد تخرجت في الدفعة السادسة على اعتبار أن أول دفعة تخرجت من المعهد عام 1963 ، بعد انشاء المعهد عام 1959 .. يعنى من أخريات الدفعات التي كان لها شرف الدراسة على أيادي عمالقة التدريس بالمعهد ، مما كان له أكبر الأثر في تكويني كسينمائي ، علاوة على فرصة الاحتكاك بكبار الأدباء والمثقفين ، والذي ساهم بشكل مباشر في تكوين شخصيتي .
قبل تخرجي عام 1969 ، عملت كمساعد مخرج مع الأستاذ شادي عبد السلام وأنا ما أزال طالباً .. في فيلم روائي قصير بعنوان ( الفلاح الفصيح ) ، وبالمناسبة فقد عمل معى  في هذا الفيلم عدد من زملائى فى المعهد .. أذكر منهم على بدرخان ، عاطف البكري ، عاطف الطيب وسمير عوف .
وبعد تخرجي – وفي عام 1970 – عملت كمساعد مخرج مع الأستاذ يوسف شاهين ، وكان يعمل في النسخة الثالثة والأخيرة لفيلم ( الناس والنيل ) ، ثم عملت لمدة عامين ونصف العام تقريباً كمساعد مخرج مع الأستاذ حسن الأمام ، وفى عام 1972 قمت بإخراج أول فيلم روائي قصير بعنوان ( مشوار ) عن قصة قصيرة للأستاذ يوسف إدريس وكان من انتاج التليفزيون المصرى ، وذلك أثناء فترة عملي كمساعد مخرج والتي انتهت عام 1974 .

وفي عام 1975 ، قمت بإخراج أول أفلامي الروائية الطويلة بعنوان ( دائرة الانتقام )

نور الشريف وشويكار فى فيلم دائرة الأنتقام  عام 1975

 إلى أن وصل عدد الأفلام الروائية الطويلة التي قمت بإخراجها حتى العام الماضي ما يقارب السبعة عشر فيلماً ، بالإضافة إلى أخراج ثلاثة مسلسلات للتليفزيون .

د/ منى الصبان :

سمير. .  سنناقش اليوم علاقتك كمخرج بالمونتاج ؟

د/سمير سيف :

        أعتقد أنه بما أننا في حلقة بحث ، فإن طلبة القسم الموجودين هم الذين سوف يدفعون بسير المناقشة ، وبما أننا في قسم المونتاج ، فسوف أبدأ بمقدمة بسيطة عن علاقتي كمخرج بفن المونتاج .

أ/سعيد الشيخ :

        فيما يتعلق بعلاقة سمير سيف بالمونتاج ، أذكر أنه وبعد عمله مع الأستاذ حسن الأمام بدءاً من فيلم بعنوان ( قلوب العذارى ) ومروراً بفيلم بعنوان ( حب حتى العبادة ) ...

د/سمير سيف : "مقاطعاً"

        هذا الفيلم كان من بطولة صلاح ذو الفقار وتحية كاريوكا ..

أ/سعيد الشيخ :

        نعم ،ومن ثم عمل مع الأستاذ حسن الأمام في فيلم بعنوان ( أميرة حبي أنا ) ، وفيه قام سمير بمراجعة مونتاج الفيلم معي , وقد بذل جهداً يذكر له جعلني أعتبره مخرجاً سينمائياً مونتاجياً بالمقام الأول وقد كان ذلك أول تعاون فني مباشر بيني وبينه.

د/سمير سيف :

        لقد عاصرت الأستاذ سعيد الشيخ في مرحلة من حياتي ، وقد ساهم في خلق علاقتي بفن المونتاج ، تلك العلاقة التي لم تتوافر للكثيرين ، والتي بدأت بمحض المصادفة أثناء دراستي بالمعهد ، عندما طلب منا ورقة بحث يتناول فيلم ( دعاء الكروان ) مقارنة بين الرواية لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين والعمل السينمائي الذي أخرجه الأستاذ هنري بركات ، وقمت بعمل ورقة البحث وقدمتها إلى الأستاذ أحمد الحضري الذي كان مسؤولاً عن مادة التذوق السينمائي والذي أعجب بها ، مما دعاه إلى تكليفي بكتابة تفريغ لديكوباج الفيلم والذي وقع الاختيار عليه - لأول مرة – لتقديمه في أحد أبواب مجلة كانت تصدر في الستينيات بعنوان ( السينما والمسرح ) اعتادت على تقديم سيناريو أو ديكوباج نص سينمائي لأفلام فرنسية أو إيطالية أو تشيكية .

وعليه فقد وفروا لي نسخة من الفيلم ، قمت بكتابة الديكوباج له ، نقلاً عن المفيولا وذلك يومياً عقب انتهاء اليوم الدراسي .. يعني مثلاً يبدأ المشهد Close up (لقطة قريبة) ، ثم تتراجع الكاميرا ، فتظهر (س) وتقول الجملة (.........) وتستمر الكاميرا في التراجع لتكشف (ص) ، يتحرك (ص) فتتحرك الكاميرا معه ، يعني وصفاً تفصيلياً دقيقاً لكل لقطة من الفيلم ، وبالتالي حفظت الفيلم لدرجة تصورت وقتها أنني أعرف الفيلم أكثر من الأستاذ هنري بركات نفسه من كثرة مراجعتي للقطات .

د/ منى الصبان:

        في أى عام دراسي كنت وقتها ؟

د/سمير سيف :

        كنت في عامي الثالث بالمعهد ، وقد أثارتني تلك التجربة وشدتني إلى أقصى درجة .. وبعد ذلك في العام الرابع ، تلقيت ( كورس ) تحليل الأفلام مع الأستاذ سعيد الشيخ ، الذي قام بتوجيه عينييﱠ لأكثر التفصيلات دقة لكثير من الأفلام بعد أن اقتصرت تجربتي الأولى مع فيلم ( دعاء الكروان ) على مجرد المشاهدة والتسجيل .

بعد ذلك وبعد تخرجي وتعييني معيداً بالمعهد ، ولم يكن المعهد وقتها بالازدحام الموجود حالياً ، ونظراً لعملي بالثقافة الجماهيرية لفترة اقتربت من الأربعة أشهر وتعرفي على ما تحتويه مخازنهم من أفلام ، وبعد أن توطدت علاقتي بالعاملين هناك كنت أستعير أفلاماً عادةً كانت فرنسية لمخرجين أمثال جان بيير ميلفيل ، جان لوك جودار وكنت أخذها على المفيولا 35 مللى عقب انتهاء اليوم الدراسي ، يعني مثلاً قمت بكتابة ديكوباج كامل بالحوار لفيلم (على آخر نفس) لجودار ، هذا فضلاً عن غيره من الأفلام .

د/ منى الصبان:

        وهل كتبت ديكوباج تلك الأفلام باللغة العربية ؟

د/سمير سيف :

        طبعاً باللغة العربية – أذكر أيضاً اننى كنت عندما أجد بعض المشاهد التي تتميز بشئ خاص من أحد الأفلام ، كنت أقوم بنقلها بأدق التفاصيل وأقوم بعمل خطة Plan لها ، على اعتبار أنها دراسة .

        ومن هذه الأفلام ، فيلم فرنسي بعنوان (قبعة مرشد البوليس) للمخرج الفرنسي جان بيير ميلفيل ، كان فيه مشهد استمر على الشاشة تسع دقائق بالضبط ، في ديكور واحد ، وكان عبارة عن تحقيق مع (جان بول بلموندو) .

وبمناسبة حديثنا عن فن المونتاج ، نحن نعرف أنه قد جرى العرف بأن يتم تنفيذ القطع عقب انتهاء جملة الحوار مباشرة . الا انني لاحظت أن المخرج الفرنسي جان بيير ميلفيل يترك على الأقل إثني عشر كادراً بعد انتهاء جملة الحوار وهو ما يعتبرخطأ طبقاً للقواعد التقليدية المتعارف عليها ، الا أنه - ونظراً لأن شخصيات أفلام هذا المخرج تتميز بأنها تراجيدية إغريقية برغم الطابع البوليسي الغالب على أفلامه - فقد أضفى استعماله لتلك التقنية غير التقليدية إيقاعاً يكسب بدوره نوعاً من الرصانة لأداء شخوصه .. وعندما تنهي الشخصية حوارها وتنتظر بعدها برهة يجعل كلمات الشخصية تترك أثرها ليس فقط في الشخصية التي تحاورها ,ولكن أيضاُ تترك أثرها في المتفرج

طالبة  :

        في أى الفترات تم إخراج هذا الفيلم ؟

د/ سمير سيف:

        أحب أن أذكر أولاً أن المخرج الفرنسي جان بيير ميلفيل هو الأب الروحي للموجة الجديدة ، وكان أول من ذكر تعبير الحلقة المفرغة أو الشيطانية Vicious circle  فيما يتعلق بأنه لكي يعمل في المجال السينمائي لابد أن يكون عضواً في نقابة السينمائيين ، ولكي يصبح عضواً في النقابة ، لابد أن يكون قد قام بإخراج أعمال سينمائية بالفعل ، ولهذا فقد قرر أن يكسر تلك الحلقة المفرغة ، ويقوم بانتاج أول فيلم بأقل تكلفة ممكنة ، بدءاً من عدم الاستعانة بأسماء معروفة مروراً باستخدامه عربة خضار كشاريوه ، إلى آخره من الوسائل التي ابتدعتها الموجة الجديدة لخفض تكاليف انتاج الأفلام ، وأيضاً نظراً لعدم توفر إمكانيات المعمل ، فهي لا تستخدم وسيلة المزج Dissolves أو الأختفاء والظهور التدريجى Fades   ، وتستعمل فقط وسيلة القطع  Cut ، وهكذا  قام المخرج (جان بيير ميليفل) بوضع أسس أسلوب الموجة الجديدة التي بدأها في عام 1947 في فيلم بعنوان (صمت البحر) .

د/ منى  الصبان:

        وهل كان ذلك قبل (جودار) ؟

د/ سمير سيف:

        فعلاً ، ولذلك واعترافاً من جودار بفضل جان بيير ميلفيل فقد استعان به كنوع من التحية أو الامتنان في فيلم بعنوان (على آخر نفس) في دور مفكر يقوم بطل وبطلة الفيلم بتوجيه الأسئلة اليه ضمن مؤتمر صحفي في أحد المطارات .

ثم بعد ذلك قام جان بيير ميلفيل – كنوع من الحوار – بالرد على جودار بفيلم وضع له عنوان (النفس الثاني) عام 1962-1963 ، ونلاحظ أن هذا الحوار لم يقف عند حد عنوان الفيلم ، بل أمتد ليشمل تحليل الشخصيات والأحداث التي تمر بها

د/ منى الصبان :          

        لاحظت أن أسم (جان بيير ميلفيل) لا يتردد كثيراً عند الحديث عن الموجة الجديدة ؟

أ/ سعيد الشيخ:

        (جان بيير ميلفيل) لم يكن مخرجاً فحسب ، بل كان ناقداً سينمائياً أيضاً

د/ منى الصبان:

        أعلم ذلك ، الا أنه عند قراءة مقال مثلاً يتحدث عن الموجة الجديدة ، يذكر أسم جودار فقط !!

د/ سمير سيف:

        (جان بيير ميلفيل) ، أعتبره مخرجي المفضل ، وأحتفظ له بثلاثة أفلام قمت باحضارها من فرنسا وأحاول أن استكمل مجموعته الكاملة حيث أنه توفى عام 1974 .

د/ منى الصبان:

        مخرجك المفضل !! مع أن أفلامه لا تتسم بالحركة مثل أفلامك ؟

د/ سمير سيف:

        لا .. لقد تعلمت من أفلامه كيف تكون أفلام الحركة ... وعلى أية حال ، نعود لموضوع التحليل الدقيق للأفلام ، والذي كون لدى خلفية جيدة جداً , فأنا أذكر أنني كنت محظوظاً لتعاون أ/ سعيد الشيخ معي في أول ثلاثة أفلام قمت باخراجها ، وقد أفادني كثيراً أنني لم أكن مخرجاً بالمعنى المعروف ، فالمخرج عادةً يقتصر دوره على التوجيه في البلاتوه ويقوم بالإشراف من وقت لأخر على باقي أفراد الفريق ومنهم المونتير ، الا أنه لا يتدخل بالعمل الفعلي للمونتاج ، هذا إن توافر له الوقت أصلاً لذلك ، الا أنني أعتدت على عكس ذلك تماماً ، فقد أعتبرت نفسي مخرجاً , ومخرجاً مساعداً , ومونتيراً مساعداً ..... ألخ .

ومن خلال تعاملي مع الأستاذ سعيد الشيخ أمام المفيولا تعلمت أدق خبايا فن المونتاج عن طريق العمل الفعلي ، وأعترف هنا بدور الأستاذ سعيد الشيخ في السماح لي بذلك ، وادراكي لقيمة ذلك مع مرور الأيام لأن العلم بآليات العمل يساعد المخرج ، بدءا من مرحلة الإعداد للعمل ، فهي تمكنه من معرفة المشكلات التي قد تعترض سير عملية المونتاج وتتيح له فرصة وضع تصور مسبق لما سوف يحدث أثناء المونتاج .

مثلاً ، عند تصويرلقطة معينة أعلم تماماً كم جزء منها سوف أستخدمه في الفيلم ، وهذه التقنية توفر فى مرحلة التجهيز  setup ، بمعنى أنني أستطيع – من الزاوية الواحدة – أن اخذ مراحل مختلفة من الحركة على أساس ادراكي مسبقاً عن كيفية تطور هذه الحركة . مما يساعد في خفض التكلفة النهائية للعمل ، ويلعب هذا دوراً مهماً من الناحية الاقتصادية

أيضاً هناك بعض التقنيات التي قد تغيب عن البعض ، الا أن الإلمام بها – وهذا لا يتأتى الا من خلال الممارسة الفعلية للمونتاج – يجعل المخرج يأخذها في الاعتبار عند الإعداد للعمل ، وأذكر من تلك التقنيات – على سبيل المثال – ما يسمى بالـ Room Tone أو الخلفية الصوتية للقطة ، وهي ببساطة عمل Loop لجزء من شريط صوت بهدف التأثير على إيقاع المشهد أو استخدام Wild track أى شريط حر لمصاحبة أحد المشاهد ، ويعتمد استخدام احد تلك التقنيات على مدى ملاءمته لطبيعة المشهد .

        وهكذا ،  ولحسن حظي – أضفى الاحتكاك مع أستاذ مثل سعيد الشيخ في أوائل أفلامي  على علاقتي بالمونتاج صفة أكثر خصوصية من الأخرين لم يتوافر لهم مثل حظي وجعلني كما يقال Editing Oriented  أو أن محور أهتمامي الأساسي هو المونتاج .

د/ منى الصبان:

        يعني المونتاج موجود  عندك في الخلفية باستمرار ؟

د/ سمير سيف:

        فعلاً ، تماماً كما نجد من هو ذهنه موجه باستمرار ناحية السيناريوScript Oriented، وهو ما يوحد وجهة نظره مع وجهة نظر الصراع الدرامي بين الشخصيات , ويوجد أيضاً من هوPhotography Oriented، أي أنه لا يرى في المشهد – في المقام الأول – الا الإضاءة ، من حيث شدتها والجهة التي تنبع منها وتأثيرها على الشخصية ، وكذلك الإضاءة الخلفيةBack Light، وقد يتغاضى عن أشياء أخرى ليست على نفس الأهمية بالنسبة إليه . ورغم أنني لم أمارس المونتاج بشكل محترف قبل ممارستي للإخراج الا أنني أعتقد أن ذهنيEditing Oriented أي أن اهتمامي الأساسي هو بالمونتاج . وهذا طبعاً بسبب العلاقة الخاصة بيني وبين فن المونتاج , والأهمية الكبيرة التي أوليها له أثناء العمل .

طالبة :

        أريد أن أسأل عن دور المونتاج في فيلم من أفلام الحركة ؟ وأهمية عملية القطع وطول اللقطات إلى غير ذلك ؟؟

د/ سمير سيف:

        أود في البداية – أن أذكر مقارنة عقدها المخرج الكبير  (ستانلي كوبريك)  بين أسلوب (إيزنشتين وشارلي شابلن) ، فيقول إن شابلن هو المضمون Content البحت ، لأن قيمة شابلن كأسلوب إخراجي تكمن فيما يحدث داخل الكادر بمعنى أداء الممثلين وعلاقة اللقطات ببعضها وأي شيئ آخر خلاف المضمون يأتي عنده في المرتبة الثانية أو الثالثة أو حتى الرابعة .

أما إيزنشتين ، فعلى العكس تماماً فهو الشكل Form الكامل بلا أدنى نظر للمحتوى ، فالأساس عنده هو تكوين الكادر ، أما المضمون فيأتي عنده في المرتبة الثانية أو الثالثة .

من خلال هذه المقارنة أريد أن أخرج إلى أن المونتاج يعتبر عصباً أسياساً بالنسبة لفيلم الحركة ، ولتوضيح هذا من خلال فيلم عاطفي حواري – كإتجاه معاكس لأفلام الحركة – يمكن أن يؤدي وصول الأداء العاطفي للمشهد لذروته في حين يصل الدور الذي يلعبه المونتاج إلى نقطة الصفر .

        وهناك فيلم دائماً ما أضرب به المثل هو فيلم (لحن الوفاء)

عبد الحليم حافظ وشادية فى فيلم لحن الوفاء عام 1955

فى الفيلم هناك مشهد يبدأ بالفنان حسين رياض جالساً في مقدمة الكادرforegroundيشرب كأسه ويدخن سيجارته ، ثم يفتح أحد الأبواب في خلفية الكادرBackground ليدخل منه الفنان عبد الوارث عسر ويجلس في المستوى الثاني ويبدأ حواره بجملة "" ما أنش الأوان "" ويستمر الحوار بينهما لمدة تقارب من الأربع دقائق .. هنا المشهد لا يلعب فيه المونتاج سوى دور صغير بينما تصل قيمة المشهد الى المتفرج مائة بالمائة ، والقيمة التي تنبع من خلال أداء الفنانين الكبيرين وتعبيرات وجهيهما فضلاً عن الحوار وتكوين الصورة بالقطع ، دون الحاجة الى خلق علاقة بين لقطتين من خلال المونتاج
أما أفلام الحركة فعلى النقيض تماماً ، لا يكتمل تأثير المشهد الا بتمام مونتاجه ، حتى أنه في مرحلة التجميع الأولى يكون مشهد الحركة هذا من المشاهد البشعة من كثرة أطواله ويمكن أن يوجد به تكرارات في الحركة بين اللقطة والتى تليهاOverlapping لأن بعض الحركات يتم خلقها من خلال التداخل بين عدة لقطات ، وعليه فمشاهد الحركة في مرحلة التجميع الأولى لا تصل إلى إيقاعها الأخير الا في المونتاج النهائي , ولا يكتمل تأثيرها الا بالمؤثرات الخاصة والموسيقى المصاحبة لها ، وكل هذا يشكل أساس مشاهد الحركة .
فالمونتاج هنا يشكل علاقة عضوية مع أفلام الحركة ، تماماً كعلاقة عملية التنفس بالأكسجين لايمكن فصلهما عن بعضهما في حين أنه – وكما ضربت المثل – يمكن في نوعية أخرى من الأفلام أن نصل الى التأثير المطلوب دون استخدام المونتاج .

د/ منى الصبان:

        أعتقد أنك حتى لو قمت بتنفيذ الحركة المطلوبة داخل لقطة واحدة لمدة ثلاث دقائق مثلا فإنك لن تصل إلى التأثير المطلوب .

د/ سمير سيف:

        فعلاً ، يصبح من الصعب جداً أن نصل إلى التأثير المطلوب هكذا ، فلنأخذ مثالاً على ذلك , أفلام الكاراتيه التي يتم تشبيهها بالأفلام الاستعراضية ، من ناحية أن حدوتة فيلم الكاراتيه ماهي الا وسيلة لتقديم عدد من المعارك التي تظهر مهارات اللعبة الرياضية ، تماما مثل قصة الفيلم الاستعراضي التى تتميز بأنها وسيلة لعرض مجموعة من الاستعراضات الفنية ، كما أن فيلم الكاراتيه يعتمد اعتماداً كلياً على كفاءة بطله الرياضية في إظهار مهاراته البدنية ، والفيلم الاستعراضي مبني على براعة الراقص مثل (جين كيلي أو فريد استير) في استعراض مهاراتهم الراقصة .

كما أن أوجه التشابه بين هذين النوعين من الأفلام تكمن في وجود تشابه أكبر, ففي الفيلم الاستعراضي هناك الاستعراض الفردي والاستعراض الزوجي والاستعراض الجماعي ، أيضاً في فيلم الكاراتيه يوجد الاستعراض الفردي كما في قيام البطل بالتدريبات والاستعراض الزوجي كما في المباريات والاستعراض الجماعي كما في المعارك التي يستعرض فيها مجموعة من محترفي اللعبة مهاراتهم .

فهنا المقارنة بين هذين النوعين من الأفلام مقارنة ذكية جداً ، فبطل أفلام الكاراتيه هو عادةً بطل رياضي يمتلك مهارات اللعبة ، فتلك الأفلام يغلب عليها قلة استخدام المونتاج لأن البطل يستطيع أداء حركاته ومهاراته في لقطات كبيرة Long shots ، أما إذا كان البطل غير رياضي فيتم استخدام اللقطات العامة جدا Extreme Long shots لكي تخفي البديل (الدوبلير)  , واللقطة القريبة جدا ً Extreme Close-up لإظهار وجه البطل .

د/ منى الصبان:

        هذا ما ذكره  أندريه بازان  !

د/ سمير سيف :

        كلما استطاع الممثل نفسه أن يؤدي الحركات المطلوبة كلما زاد اقتناعنا كمتفرجين بتلك المشاهد ، انما لا يلغي هذا دور المونتاج نظراً للتعقيد الذي يتعلق ببناء الحركة ، ففي اللقطات العامة Long shots  لا تستطيع الزاوية الواحدة أن تكون أفضل زاوية لكل جزء من الحركة ، وعلى ذلك فلابد من تغيير وضع الكاميرا لاختيار أنسب وضع لإبراز كل جزء من الحركة .

د/ منى الصبان:

        نعم ، لكن لو تم تنفيذ حركة الكاراتيه من أولها إلى أخرها في لقطة واحدة ستزداد مصداقيتها عما لو تم تنفيذها من خلال مونتاج عدة لقطات تم تصويرها من عدة زوايا !؟

د/ سمير سيف:

        المصداقية تعتبر أحد العناصر ، في حين يعتبر التأثير عنصراً آخر ، بمعنى أنه يمكن أن يتم تصوير جزء من الحركة في لقطة عامة ولتكن للبطل مثلا يقوم بتوجيه لكمة إلى شخصية أخرى ، ثم بعد ذلك تظهر الضربة في لقطة قريبة جدا ، مما يحدث الصدمة البصرية من خلال التناقض بين حجمي اللقطتين بالإضافة إلى تأثير الضربة على وجه متلقيها ، وهذا يؤدي إلى زيادة  التأثير ويجعل الشحنة العاطفية المتولدة عن القطع هنا أقوى بكثير مما لو تم تنفيذ الحركة بكاملها في لقطة عامة .
وأريد هنا أن أذكر درساً بليغاً عن المخرج ستانلي كوبريك تحدث فيه عن الاختلاف بين المشاهد التمثيلية ومشاهد الحركة , فهو يقول أن المشاهد التمثيلية نادراً ما يكون لها اعداد مسبق أو ديكوباج مسبق ، لأن هذا النوع من المشاهد يخضع للإضافات التي يقوم بها الممثلون أثناء الأداء ، مثلاً الحركات التي يمكن تسميتها بالمهنية التي يقوم بها الممثلون أثناء الأداء والتي لم توضع مسبقاً في الاعتبار أو رد فعل معين قام به أحد الممثلين تجاه المشهد ، كل هذا لا يمكن التنبؤ به أثناء الإعداد للمشهد .

طالب :

        نعم ، وإلا تحول الممثلون إلى إنسان آلي!

د/ سمير سيف:

        تماماً ، يصبح الممثل خاضعاً للتصميم المسبق ، حيث يقوم المخرج بمراجعة الأداء مع الممثل أولاً وهنا نقترب من المسرح تماماً فيما يتعلق بإعادة خلق اللحظة ، ثم بعد ذلك – ونتيجة للخبرة المكتسبة – يصبح من السهل تحديد أفضل وضع لتصوير المشهد ، هل يتم تصويره فى لقطة عامةLong shot أو يمكن ترك مساحة لإحد التفصيلات الدقيقة ( كمسكة يد ) مثلاً ، هنا يقوم المخرج بكتابة الديكوباج وتحديد القطعات بناء على الأداء النهائي الذي حدث في المشهد
أما عن مشاهد الحركة ، فتكون تماماً كتصميم الرقصات ، حيث لا يمكن تصميم الرقصات بشكل ارتجالي ، بل يتم بعد الاستماع إلى الموسيقى وضع الحركات المناسبة والمحددة لكل أجزاء الرقصة ، أي لابد لها من تصور مسبق وعلى هذا فإن المونتاج يوضع في الاعتبار منذ البداية خصوصاً في مشاهد الحركة وذلك لكي يتم تنفيذه وفقاً لهذا التصور المسبق .

د/ منى الصبان:

        يعني ذلك أن قطعاتك تكون إخراجية وليست مونتاجية ؟ .. بمعنى أنك تقوم بعمل حساب تلك القطعات أثناء التصوير ، ولا تترك تحديدها للمونتير ؟؟

د/ سمير سيف:

        فعلا ، هذا ما يحدث بطبيعة الحال .

د/ منى الصبان:

        أريد أن أذكر مثالاً لذلك ، كنت والأستاذ سعيد الشيخ نقوم بالأمس بعمل تحليل لفيلم (الكرنك) وتناقشنا حول أحد المشاهد التي يبدأ بلقطة للفنانين – نور الشريف في حوار مع سعاد حسني – وأمامهما تكتب لافتات إعلانية ، وفي آخر المشهد تتحرك اللافتة لتشكل ( كاشا) أمام الشاشة ويحدث القطع على الفنان نور الشريف فى المشهد التالي يجلس في القهوة ، فهذا قطع قام به المخرج أثناء التصوير .

د سمير سيف :

        فعلا ، هذه نقلة زمنية تخدم أحداث الفيلم .

د/ منى الصبان:

        هل معنى ذلك أن تلك النقلات لا يمكن خلقها أثناء المونتاج ؟؟

د/ سمير سيف:

        بالنسبة إلى ما يمكن خلقه أثناء المونتاج ، أذكر مثلاً عند تصوير مشهد صراع بين شخصين يتم وضع تصور للحركة كاملة – وهذه تعتبر نقطة أساسية في إخراج الحركة – ثم يتم تجزئة الحركة ، فعند تنفيذ المشهد يصبح لدينا (بلوك) للصراع فوق سيارة مثلاً ثم (بلوك) آخر لاستيقاف السيارة واستكمال الصراع على الأرض وتقوم الشخصيتان بتبادل اللكمات أثناء ذلك ، أى أن هناك لقطة يقوم أحدهما بتوجيه لكمة للآخر ، يقوم الآخر بردها للأول في لقطة أخرى .

فتوضيحاً لذلك ، يتم تنفيذ الحركة كاملة رغم الأخذ في الاعتبار أن الحركة سوف  يتم تجزئتها  فيما بعد ، وفي أثناء المونتاج يمكن أن نجد بعض من تكرار الحركة ، مما يتيح لنا تجزئة الحركة على عدد أكبر من اللقطات ، فحين يوضع تصور مسبق مثلاً لتجزئة حركة معينة على أربع لقطات ، يمكن أثناء المونتاج زيادتها إلى ثماني لقطات .

د/ منى الصبان:

        إلى هذا الحد يلعب المونتاج دوراً في التأثير على الشكل النهائي للحركة ؟

د/ سمير سيف :

        تماماً ، وهذا يتضح فعلاً أثناء المونتاج ، فلو افترضنا مثلاً أن الحركة تم تصويرها على لقطتين من زاويتين مختلفتين وكان التصور الأساسي لها أنها تحتمل أربع لقطات ، يمكن أثناء المونتاج ، وبهدف زيادة سخونة الصراع أو المعركة أن يتم تقسيم هاتين اللقطتين الى أربع لقطات أو حتى إلى ثماني ، أيضاً هناك أمر آخر يتم ابتكاره أثناء المونتاج ، وهو إعادة ترتيب اللقطات ، فلو وضع أثناء التصميم الأساسي ، رد فعل أحد الشخصيات في إحدى اللحظات ، وعند المونتاج يكتشف تأخر رد الفعل المذكور عن فعل الشخصية أو الشخصيات الأخرى فيتم تقديم رد الفعل هذا إلى مرحلة مبكرة عما كان بالتصور المسبق ويتم وضع لقطة أخرى لتحل محله .

د/ منى الصبان:

        وهذه الأمثلة لا يمكن الوصول إلى شكلها النهائي إلا عن طريق المونتاج ...

د/ سمير سيف:

        فعلاً ، لا توجد وسيلة أخرى غير المونتاج لإحداث التأثيرات المطلوبة لمشاهد الحركة التي تحدثنا عنها .

طالب  :

        أعتقد أنه توجد مشاهد يتم تنفيذها أثناء المونتاج ، لايقوم المخرج بوضع تصميم لها أثناء التصوير ، بل يقوم بتصوير مجموعة لقطات ويتم تركيبها فى المونتاج ، وأذكر مثالاً ذكره الأستاذ صلاح أبو سيف من فيلمه (ريا وسكينة) وهو المشهد الشهير لريا وسكينة أثناء تنفيذ عملية القتل والذي تصاحبه أغنية المطرب (شفيق جلال) وأصوات الطبول والكلوب الذي يتأرجح في الكادر ، فقد قال إنه قام بتصوير مجموعة من اللقطات ولم يفكر في الشكل النهائي إلا أثناء مرحلة المونتاج ؟؟

د/ سمير سيف:

        طبعاً لن نشكك في هذا الكلام ، لكن تستطيع أن تلمح أنه كان على الأقل هناك خطة مبدئية ، بمعنى أن عناصر المشهد ستكون كذا ، وكذا ... ألخ ، خاصة لأنها مرتبطة بتأثيرات مؤكدة ، مثلاً اللقطات التي تم تصويرها قبل تحريك الكلوب لابد وأنها تختلف اختلافاً كليا وجزئياً عن اللقطات التي جاءت بعد ذلك ، فلابد من وجود نوع من التصور ينعكس بدوره على تكوين وإضاءة اللقطات المختلفة .

        أيضاً هناك بعض التقنيات التي تتيح بعض الحرية عند تنفيذ المونتاج لأنها تقوم بفصل بعض عناصر المشهد فصلاً تاماً ، وكمثال .. اللقطة التي يتم تصويرها قريبة جدا تصبح بمعزل تام عن الحركة الموجودة في اللقطة العامة وهذا بشرط ألا تكون اللقطة القريبة مشتركة مع أي عنصر من عناصر اللقطة العامة ، أي أن تكون تفصيلة منفصلة تماماً فعندها يمكن الوصف بشئ من الحرية عما لو كانت مرتبطة باللقطة العامة .

        وعليه ، ففي جميع الأحوال ، نرى أنه لابد من التصور المسبق الذي يليه تنفيذ العمل بصورته النهائية في عملية المونتاج , فالتصور المسبق أو التصميم المسبق أمر حتمي لابد منه .

د/منى الصبان :

        وماذا يحدث عندما تقوم بوضع تصور مسبق ، ثم تكتشف عند بدء التصوير أن مكان التصوير Location قد تغير تغييراً كاملاً ؟؟

د/ سمير سيف:

        لا .. هذا يفترض افتراضاً غير دقيق بأن المخرج يفاجأ بتغيير الموقع location  وهذا على خلاف الواقع تماماً ، فمن أهم المميزات التي يجب أن تتوافر للمخرج بشكل عام ومخرج أفلام الحركة بشكل خاص وتعتبر فضلاً عن ذلك أحد أهم أدواته ألا وهي الوعي بالمكان والأحساس بعناصره وكيف يحسن استخدامها لكي تخدم مشاهد الحركة ، ولا يتأتى هذا بالطبع إلا من خلال زيارة مسبقة للمكان ومحاولة وضع التصميم وفقاً له .

أ/ سعيد الشيخ:

        هذا طبعاً مع ملاحظة أن المخرج يقوم باستعراض عدد من أماكن التصوير ، قبل أن يقرر أيهما يناسب طبيعة المشهد أكثر من غيره ..

د/ سمير سيف:

        فعلاً ، ويحضرني في هذا الشأن مثالين لفيلمين من أفلامي أولهما فيلم (المشبوه)

عادل إمام وفاروق الفيشاوى فى فيلم المشبوه عام 1981

  فمشهد الختام كان يفترض تصويره على أحد أرصفة الميناء دون تحديد رصيف معين ، لذلك أستقلينا مركبا لكي نتجول في أنحاء الميناء لاختيار المكان المناسب ففوجئت بما يعرف باسم الحوض العائم ، وكنت أول مره أراه وبسؤالي عنه ، عرفت وظيفته حيث يتم إدخال السفن إليه ثم يتم افراغه من المياه تمهيداً لإصلاح السفينة .

فعندما رأيته ، قررت أنه يصلح لمشهد الختام لأنه يعتبر مكاناً جديداً بالنسبة للشاشة . فطلبت النزول إليه وتجولت في أرجائه ودرست مداخله ومخارجه وأبعاده والعناصر المتوفرة به كالسلالم والفتحات ... ألخ وعليه قمت بتصميم الحركة للمشهد الأخير وفقاً للمكان

وفي الفيلم الآخر (عصر الذئاب)

 

ليلى علوى وعادل أدهم فى فيلم عصر الذئاب عام 1986

 فى أحد المشاهد تحدث مطاردة في أحد الفنادق ، وقد اختير فندق (شيراتون المنتزه) كمكان لتصوير المطاردة ، وقمت بإعطاء أجازة لموظفى الفندق لمدة ثلاثة أيام ، فحصت فيها الفندق بالكامل ، من مصاعد إلى سلالم الطوارئ إلى فتحات التهوية .. إلى غير ذلك من المداخل والمخارج التي يمكن أن تستغل لتنفيذ المطاردة ، لدرجة أستطيع فيها القول إنني أعتبر نفسي الشخص الثاني الذي على علم تام بفندق شيراتون المنتزه بعد المهندس الذي قام بتصميمه ، أقصد على علم بخفايا الفندق ، وعليه فقد قمت بإعادة صياغة هذا المشهد وفقاً لما علمت من تفاصيل المكان .

ولتوضيح ذلك ، يقوم عادةً كاتب السيناريو بالكتابة بالشكل التالي .. مثلاً ، يفتح المصعد ، دون تحديد أي تفاصيل أو يفتح (س) درج أو يجري (ص) على السلالم ، أي سلالم ، فعند دراسة عناصر المكان يمكن أن تجد عنصراً آخر بخلاف السلالم فيه إشارة أكبر وتميزه خلفية أجمل مثلاً ، فعندها نقوم بالتعديل وفقاً للمكان الفعلي ، كما أسلفت فالعلاقة بين التصميم والمكان علاقة عضوية تماماً .

أ/ سعيد الشيخ:

        وهنا يأتي دور المخرج في إبراز أفضل عناصر المكان لتحويله من مكان طبيعي إلى مكان   سينمائي !!

د/ سمير سيف:

        أكيد ، وهذا يؤكد العلاقة بين المخرج والمكان ، فلا يمكن أن يفاجأ المخرج بتغير في المكان وخاصة في مشاهد الحركة ، موضوع المفاجأة هنا يصبح في أضيق الحدود كتغير في الطقس مثلاً ، وهذا يمكن التعامل معه إلا أنه لا يجعل المخرج مضطراً لإعادة التصميم الذي أعده مسبقاً .

د/ منى الصبان:

        أذكر أن المخرج صلاح أبو سيف أخبرنا باختياره موقعاً في إحدى القرى التي تطل على نهر النيل وعندما ذهب للتنفيذ وجد أن الفيضان قد غمر الموقع الذي تم اختياره للتصوير !!

د/ سمير سيف:

        نعم ، وهذا أيضاً ظرف طبيعي كالتغير في الطقس .

د/ منى الصبان:

        ألم يحدث معك ظرف مشابه ؟؟

د/ سمير سيف :

        نعم حدث معي ، لكن أريد التأكيد أنه لا يمكن أن يحدث ذلك في يوم التصوير ، مثلاً ، أذكر أني عملت مع المخرج شادي عبد السلام لمدة ثلاثة أيام عندما كنت طالباً كنوع من التدريب ، وكان يقوم بإعادة بعض مشاهد فيلم (المومياء) ، فذهبنا إلى بلدة بعد حلوان تسمى (البليدة) – استخدمت لاستكمال المشاهد التي تم تصويرها في الأقصر - وهي تقع على شاطئ النيل وكانت عبارة عن أرض تتكون من رمال بيضاء تحتضنها مياه شاطئ النيل ، ولم أتصور وقتها وجود مكان بهذه المواصفات في منطقة قريبة هكذا من العاصمة – أعني أنها ليست في عمق الصعيد ، وكان ذلك في عام 1968 أو 1969 .
بعد ذلك وفي عام 1985 وعند قيامي بإخراج فيلم المطارد . . .

نور الشريف ومجدى وهبة فى فيلم المطارد عام 1985

تذكرت ذلك المكان واعتبرت أنه ملائم لأحداث فيلمي من الناحيتين المكانية والزمانية فذهبت لتفحص المكان فوجدت تغييراً شاملاً ، فقد اقتصرت الرمال البيضاء على عدد قليل من الأمتار بعدها تحولت إلى تربة طينية يملؤها (الهيش) والنباتات البرية .

إلا أنني قمت بإعادة صياغة التصميم وفقاً لما استجد على المكان من تغيرات ، أي أن المفاجأة حدثت أثناء استكشاف المكان ,  أما المفاجأت التي تحدث في أيام التصوير نفسها فتقتصر على الظروف الطبيعية .

د/ منى الصبان:

        بالنسبة إلى الأستاذ صلاح أبو سيف أخبرنا أنه قام بمعاينة المكان وعاد إلى القاهرة ، وعند العودة مرة أخرى إلى موقع التصوير أكتشف مفاجأة الفيضان ؟؟

د/ سمير سيف:

        أعتقد أن السبب في ذلك ، وجود فارق زمني لا يقل بأي حال من الأحوال عن أسبوعين وربما يصل إلى شهر كامل ، ويذكرني ذلك بأحد مواقع التصوير التي قمت باختيارها وكانت مدينة روحانية أثرية كاملة توجد في صحراء مريوط وكانت تصلح لفيلم هائل ، المهم ذهبت مرة أخرى بمصاحبة عدد من المهتمين بعد مرور شهر واحد ، ففوجئنا بوجود بعثة أثرية ألمانية لا يقل عددها عن مائة وخمسين مهندساً وعاملاً ، وأكتشفنا أنهم سيقومون باستئناف الحفريات لمدة ثلاثة أشهر ، وهذه أيضاً من ضمن الظروف غير المتوقعة والخارجة عن الإرادة والتي تغير من الخطط التي ينتويها المخرج .

د/ منى الصبان:

        يؤكد كلامك ما أقوله دائماً أن من أهم ما يميز مخرج ما عن أخر هو قدرته على تخيل الفيلم قبل تصويره ، فكلنا يعرف أن المخرج يتعامل مع غير المحسوس على عكس المونتير الذي يتعامل مع المحسوس فالمخرج المتميز يعلم تماماً عند التصوير أن هذه اللقطة عند تركيبها في الترتيب المعين مع اللقطة الأخرى  سوف يؤدي إلى التأثير الذي يريده ..

أ/ سعيد الشيخ:

        تعني التصور المسبق للفيلم ..

د/ سمير سيف:

        نعم ، وهذا مطابق لموضوع الدكتوراه الخاصة بالأستاذ / مدكور ثابت بعنوان ( أسبقية الرؤية على الإبداع ) .

أ/ سعيد الشيخ:

        لي تعليق على فارق مهم بين مشاهد الحركة والمشاهد العاطفية أو الإجتماعية ، فالمشاهد الإجتماعية تحتاج لطول أكثر من خلال استخدام اللقطات العامة long shots  ,واستخدام المونتاج بدرجة تقل كثيراً عن مشاهد الحركة التي عادةً يكون إيقاعها سريعاً من خلال التأثير الذي يحدثه القطع لمجموعة من اللقطات التي يتم تصويرها والتي تكون أساساً كثيرة العدد ومن زوايا مختلفة .

د/ سمير سيف :

        تأكيداً على تعليق الأستاذ سعيد الشيخ ، وتأسيساً على مبدأ التناقض ، سنجد أنه هناك تضاداً بين المشاهد العاطفية أو التمثيلية التي يتم تنفيذها أعتمادا على اللقطة الطويلة أو حركة الكاميرا البطيئة ، مما يحدث التأثير النفسي المباشر وبين مشاهد الحركة بإيقاعها المتلاحق من خلال لقطات سريعة .

        ولو تم تنفيذ المشاهد التمثيلية بنفس الإيقاع المتلاحق من خلال قطعات سريعة لكل جملة من جمل الحوار على حدة مع حركة كاميرا تتميز بالعصبية ، فلن تجد نفس التأثير النفسي عندما نشاهد مشهد الحركة الذي تم تنفيذه بنفس الإيقاع .

وأذكر هنا مثالاً شهيراً دائما ما كان يذكر بالمجلات المتخصصة لأحد مشاهد فيلم الفك المفترس Jaws  وكان التعبير بالإنجليزية one of the most dramatic shocks in modern cinema  بمعنى أحدى أقوى الصدمات الدرامية في السينما الحديثة ، وكان عبارة عن ظهور سمكة القرش فجأة أثناء الحوار وراء أحد الأشخاص من جانب الكادر .

        فرغم أن المشهد كان مبنياً على التوقع ، إلا أن اللقطة التي سبقت الظهور المفاجئ لسمكة القرش كانت لقطة هادئة لحوار هادئ بين أشخاص عاديين مما أتاح للمخرج أن يخدعنا .

أ/ سعيد الشيخ:

        هذا يماثل أحد مشاهد فيلم مدافع نافارون The guns of Navaron

د/ سمير سيف :

        نعم ، مشهد خروج الطيور فجأة من أعشاشها بعد أن خدعنا المخرج بفترة هدوء إلى أن يفاجئنا بالصدمة .

د/ منى الصبان:

        هذا هو الهدوء الذي يسبق العاصفة ..

د/ سمير سيف:

        فعلاً ، فمبدأ التناقض مبدأ هام جداً ليس فقط على مستوى المشهد الواحد ، بل يمتد ليشمل الفيلم ككل بمعنى خلق مشاهد تتسم بالهدوء والإيقاع البطئ نسبياً الذي لا يتخلله قطعات كثيرة لكي تتناقض فيما بعد مع مشاهد الحركة بإيقاعها السريع الكثير القطعات .

ودعوني أذكر تشبيهاً لكن مع الفارق , أنه كما أن السيمفونية تتكون من حركات ثلاث ( بطئ – سريع – بطئ ) أو ( سريع – بطئ – سريع ) فأيضاً في فيلم (دائرة الانتقام) وفي مشهد الخناقة الذي استمر حوالي ثلاث دقائق ، والذي قام فيه الفنان / نور الشريف بتحطيم بيت الدعارة الذي وجد أخته به – هذا المشهد توسط مشهدين إيقاعهما بطئ حيث سبقه مشهد طويل بينه وبين أخته يسيران بهدوء عبر الممر إلى أن يصلا إلى الصالة ويصاحب المشهد صوت أمطار في الخلفية إلى أن بدأت (الخناقة) وهنا بدأ الصراع يصاحبه أصوات تكسير وصوت غناء المغني الأمريكي (جيمس براون) الشبيه بالصراخ إلى أن ينتهي المشهد بتحطيم بيت الدعارة . ثم أعقبه مشهد آخر عبارة عن (شاريوه) طويل للفنان نور الشريف يسير مع أخته في حوار تحكي له فيه ما مرت به من ظروف أدت بها إلى هذا الوضع .. ويتضح هنا الإيقاع (بطئ – سريع – بطئ) لكي يخلق التناقض بين المشاهد – هذا التناقض الذي يخلق بدوره التأثير النفسي الذي تحدثنا عنه .

د/ منى الصبان:

        بمناسبة صوت الأمطار ، ماهو الدور الذي تلعبه المؤثرات الصوتيةSound effects في فيلم الحركة ؟؟

أ/ سعيد الشيخ:

        اسمح لي أن أعلق على هذا الموضوع

د/ سمير سيف:

        تفضل

أ/ سعيد الشيخ:

        أنا شخصياً لا أستطيع أن استمع إلا للموسيقى الكلاسيكية مثل موسيقى (رحمانينوف – تشايكوفسكي – بيتهوفن ... ألخ) أما د/ سمير سيف فلديه ملكة تذوق كل أنواع الموسيقى بدرجات مختلفة وتستطيع أن تقيس على ذلك كل أنواع الفنون ، يعني أتذكر أنني قمت بضبطه كثيراً وهو يغني (لعبده الحامولي) وغيرها من الأغاني القديمة جداً . وفي الوقت نفسه الذي يتذوق فيه الموسيقى الكلاسيكية بالدرجة نفسها.

        وأنا أعتبر أن هذه ميزة لا تتوافر للكثيرين وأنا منهم ، حيث أنني متعصب للموسيقى الكلاسيكية في حين أن د/ سمير لديه القدرة التي تجعله يتذوق مثلاً رقصة نوبية بالدرجة نفسها التي يتذوق بها رقصة بالية ، بمعنى أن تذوقه لنوعيات مختلفة من الفنون يتيح له كمخرج القدرة على التعبير عن أنواع مختلفة من الأجواء بقدر تنوع الأجواء التي يتقبلها ويستطيع أن يتذوق فنونها .

طالب  :

        لي سؤال يتعلق بالمؤثرات الصوتية ، فقد لاحظت أنه على الرغم من أن أفلام الحركة الهندية واليابانية تستخدم نوعاً غير واقعي من المؤثرات الصوتية إلا أنه يترك أثراً كبيراً لدى المشاهد ، مثال ذلك صوت الطبول Drums  الذي يصاحب اللكمة .. ولو أنني أعتقد أن المتفرج المصري بما لديه من وعي بعدم واقعية الصوت وبالتالي عدم مصداقية تلك النوعية من المؤثرات على عكس السينما الأمريكية مثلاً التي تستخدم نوعيات أخف من المؤثرات الخاصة تعطي مصداقية أكبر للحدث الذي يصاحبها !!

د/ سمير سيف:

        هذه نقطة هامة جداً ، تعيدنا إلى السؤال الخاص بالدور الذي تلعبه المؤثرات الصوتية في أفلام الحركة ، وبما أنني كما سبق وأشرت الى أنني Editing oriented  ، وبالتالي فإن شغفي أو تخيلي للمؤثرات الصوتية أساسي للدرجة التي تجعلني عندما أقوم بتوضيح المشهد للممثل ، لا أكتفي بمجرد السرد لأحداث المشهد مع ذكر المؤثرات الصوتية بل أقوم بتمثيل هذه المؤثرات له فمثلا لو قلت للممثل " انت تجلس وتستمع إلى خطوات شخص قادم " فإننى أقوم بتمثيل المؤثر الصوتي الخاص بالخطوات أمامه كما أتصور حدوثه عند التنفيذ .

وتأكيداً على اهتمامي بالمؤثرات الصوتية ، فإننى أحياناً ما أقوم بالمشاركة في تسجيلها أو اختيارها على أقل تقدير ولا أتركها لذوق الآخرين ، وأتذكر الدرس الذي تلقيته على يد الأستاذ سعيد الشيخ حول الفرق بين صوت إغلاق باب سيارة شيفروليه , وباب سيارة فيات 128 ، فلكل منهما رنة صوت مختلفة ، ولو تساوى الإثنان لدى المخرج ، فلن ينجح المخرج للوصول إلى التأثير المطلوب .

      وأتذكر هنا بعد إعداد نسخة العمل النهائية  لفيلم الهلفوت .وكان من انتاج صوت الفن وتم عرض نسخة العمل هذه على بعض الشخصيات من صوت الفن وكان لهم بعض التعليقات على وجود فترات ساكنة في بعض أجزاء الفيلم ، وهذا بالطبع لأن نسخة العمل هذه كانت تنقصها المؤثرات والموسيقى.

        فما أريد أن أقوله هنا أنه بالنسبة للشخص غير المتخصص ، قد يغيب عن ذهنه أن الجزء الذي يشاهده – ويعتبره في تقديره مملاً أو لا يضيف شيئاً للعمل – سوف يصاحبه قطعة من الموسيقى التصويرية التي ستؤدي إلى تأثير معين ، يكون في تصوري المسبق للعمل .

        ونخلص من هذا الكلام أن تصميم قطعة الموسيقى هذه والتي تصاحب أو تعقب أحد المشاهد يكون ضمن التصميم الكلي المسبق للعمل ، وتوضيحاً لذلك فلا يمكن بحال من الأحوال ، استخدام الموسيقى كعلاج أو كترقيع الهدف منه رفع إيقاع أحد المشاهد أو التغطية على عيوب موجودة أو أخطاء حدثت أثناء التصوير إنما تصبح الموسيقى جزءاً لا يتجزأ يتم توظيفه في تكوين المشهد ، وكل هذا يؤكد على دور المؤثرات والموسيقى بالنسبة لأحداث الفيلم .

طالب:

        تقصد حضرتك شريط الصوت Sound trackعموماً ؟؟

د/ سمير سيف:

        فعلاً ، وهذا موجود في السينما العالمية إلا أنه يختلف من مخرج لآخر ، حتى ومن موضوع إلى موضوع آخر يتناوله نفس المخرج ، فأذكر مثلاً المخرج العالمي انجمار برجمان يستخدم المؤثرات في أضيق الحدود ويرجع ذلك إلى طبيعة الموضوعات التي يتناولها والتي يلعب أدوارها شخصيات حوارية داخل غرف مغلقة .

طالبة:

        هل لأن ذلك هو الجو العام atmosphere  المطلوب ؟؟

د/ سمير سيف:

        بالضبط ، هو الجو المطلوب لموضوع الفيلم ، حتى أن الموسيقى التصويرية التي يستخدمها عبارة عن مقتطفات من الكلاسيكيات المعروفة ، بمعنى أنه لا يستعين بمؤلف موسيقي خاص ، في حين أن مخرج آخر مثل ستانلي كوبريك أو ستيفن سبيلبرج يقضي الواحد منهم ستة أشهر لتنفيذ شريط الصوت Sound track وهنا نستطيع أن نعتبره عملاً مستقلاً يحتاج إلى جلسات عمل منفصلة لكي يتم إضافته إلى شريط الفيلم ، وهذا يوضح ما قلته في البداية من أن هذه تعتبر اتجاهات وأساليب مختلفة تختلف باختلاف المخرج وباختلاف الموضوع الذي يتناوله .

ويحضرني هنا قول للمخرج الفرنسي تروفو عن سبيلبرج ، والذي قاله عندما عمل ممثلاً في أحد أفلامه : أنه يفكر بضخامة  He thinks big , لأنه عندما يقوم بتنفيذ لقطة قريبة  close up يقوم بتجهيز مجاميع لا تقل عن الثلاثة آلاف شخص في الخلفية back ground ، يتحركون خلف اللقطة القريبة في حين أن غيره لو تحرك بالكاميرا إلى أعلى يمكنه أن يجعل من السماء خلفية للقطة ، أما بالنسبة لسبيلبرج ، فالموضوع مختلف ، فهو يقوم بإعداد المجاميع كما قلت عبارة عن شعب كامل يتحرك بمختلف أموره الحياتية العادية من أجل أن يخدم ممثلاً واحداً يلقي جمله في اللقطة القريبة ، لأنه شخص تفكيره ضخم Huge ، فهو يحتاج - من أجل أن يقوم بتصوير لقطة قريبة – لإعداد لا يقل عن ساعة ونصف للخلفية التي صممها لهذه اللقطة ، في حين أن تروفو أو برجمان وفقاً لأسلوب كل منهما لا يحتاج إلى كل هذا ، بل ببساطة يمكنه أن يجعل حائطاً ما خلفية للحوار الدائر بين شخصياته . وهذا طبعاً لا ينفي أن كلاً منهما مخرج عالمي له أهميته واسهاماته .

طالبة  :

        لأن كلاً منهما له أسلوبه الذي يختلف عن الأخرين !

د/ سمير سيف:

        تماماً ، وليس معنى ذلك أيضاً أن أحدهم أفضل من الأخرين ، وهذه إحدى المميزات التي يتميز بها الفن ألا وهي التعدد.

وأعود إلى السؤال الخاص بالمؤثرات الصوتية وعلى وجه الخصوص المثل الذي ذكر بالنسبة للصوت الذي يصاحب اللكمة ، فالواقع أن وقع صوت اللكمة في الحقيقة غير مؤثر على الإطلاق لدرجة أن صوت الصفعة قد يكون أقوى وأوضح من صوت اللكمة ، لكن عند تنفيذ المؤثر المصاحب للكمة ، يخطئ من يضع صوت اللكمة الحقيقي لمصاحبة اللقطة ويظهر هنا تقصيره فنياً .

        ويحضرني هنا مقال قرأته قديماً ، عن مكتبات المؤثرات Sound libraries   التي تمتلكها كبريات الاستديوهات السينمائية الأمريكية وكيف أن محتوياتها تختلف بإختلاف شركات الإنتاج السينمائي فمثلاً أخوان وارنر Warner Brothers  - ولكونها كانت متخصصة أكثر في انتاج أفلام العصابات Gangsters   – فكان لديها مكتبة غنية بالمؤثرات الخاصة بأصوات الأسلحة بمختلف أنواعها من مسدسات ورشاشات وأصوات اللكمات والصفعات والضربات المختلفة وأصوات التكسير والتحطيم والوقوع .. إلى غير ذلك .

        في حين أن شركة مترو Metro - التي يغلب على انتاجها الأفلام الموسيقية Musical  والدرامات العاطفية - كانت عندما يصادف إحتياجها إلى مشهد من مشاهد الحركة أو الصراع ، كان المشهد يظهر فقيرا من ناحية المؤثرات الصوتية لعدم توافر المواد المطلوبة في مكتبتها .

        وإلى هذا الحد تظهر أهمية المؤثرات الصوتية ، وأذكر هنا على سبيل المثال ، المؤثر الخاص بالإرتطام بأشياء ووقوعها أثناء الحركة أو المعركة .. كانت تقنية متطورة تنسب إلى مخرج أسمه صامويل فوللر ، مفادها أن تقوم بدمج صوت لكمة يتلقاها أحد الأشخاص ثم يسقط على شئ ما فيحطمه محدثاً صوت آخر ، فعملية إضافة مؤثر التحطيم إلى صوت اللكمة يضفي عمقاً وواقعية على أحداث المعركة تؤدي إلى زيادة تأثير رد الفعل المتكون لدى المتفرج ، ويمكن للمؤثر الصوتي أن يؤدي دوره الذي ذكرته حتى وأن لم يصاحب اللقطة التي يفترض أن تحدثه ، وكمثال لذلك في فيلم The dirty dozen  وفي مشهد للممثل لي مارفن يقوم بالإمساك بالممثل جون كازافيتس ويطرحه أرضاً ثم يقوم بضربه في وجهه بحذائه العسكري ، فرغم أننا لم نر الضربة ، لكن المؤثر الصوتي الذي تم استخدامه وصلت درجة تأثيره إلى شعورنا بأن تلك الضربة قد حطمت وجه جون كازافيتس ، وهنا يجب أن نفرق بين الأسلوب الذي نتبعه للتأثير في المتفرج ، هل الأسلوب المباشر مثل أن نرى الدماء وهي تسيل , أم الأسلوب غير المباشر الذي يسمح بمساحة لإعمال الخيال لدى هذا المتفرج كما أسلفت في المثال الذي ذكرته .

طالب  :

        لي ملاحظة على أفلامنا المصرية ، حيث نرى استخدام المؤثرات فيه مبالغةOver done برغم أننى شخصياً أتأثر بأفلام رعاة البقر الأمريكية برغم استخدامهم للمؤثرات , الطبيعي منها مع المصطنع لإحداث التأثير ، فأريد أن أعلم أسباب ذلك ؟؟

د/ سمير سيف:

      هنا تكمن الأسباب ببساطة في أداء المونتير أثناء المونتاج .

د/ منى الصبان:

     تقصد المونتير الذي يقوم بإضافة المؤثرات ..

د/ سمير سيف:

        نعم ، حيث أن المؤثرات أحياناً ما تكون من اختياره ، ويحضرني هنا قول للمخرج تروفو ، باعتباره من رواد الموجة الجديدة عندما سئل عن ماهية الإخراج ، فرد قائلاً إنه عبارة عن آلة قرارات Decision machine  , بمعنى أن المخرج يقوم بإتخاذ قرار في كل لحظة من الفيلم بدءاً من إعداد السيناريو مروراً بالتصوير ثم المونتاج والمكساج ، فلو افترضنا أن معدل إتخاذ القرارات في الفيلم يوازي خمسة آلاف قرار ، فإن مقدار القرارات الصائبة التي يقوم المخرج بإتخاذها هي التي تحدد قيمته كمخرج ، سواء وصل هذا المقدار إلى ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف ، وكلما زاد المقدار كلما ازدادت قيمة المخرج .

        أيضاً هناك أمر أخر ، أنه كلما عهدت بعملية إتخاذ القرارات إلى غيرك من طاقم العمل كلما أصبح الفيلم أقل شبهاً بك .

        وعموماً ، تبدأ عملية إتخاذ القرارات من أول لحظات بناء السيناريو وتدخلك سواء بالإضافة أو الحذف بدءاً من جملة الحوار إلى أحد شخصيات العمل ، إلى أن تحدد للعامل القدر الذي يقوم بفتحه من ستارة داخل الكادر أو تحدد أى نوع سيجار سيقوم البطل بتدخينه أو نوع المسدس الذي سوف يستخدمه .

        كل هذه تدخل ضمن عملية مستمرة من أتخاذ القرارات إلى ان تصل إلى المونتاج و تحدد مثلاً إختيار لقطة لشخصية و هى تلقي جملة من جمل الحوار أو تختار لقطة لشخصية أخرى تُظهر رد الفعل لهذه الجملة .أو تحدد موعد إضافة الموسيقى مع نهاية جملة حوار معينة أو مع لفتة تبديها إحدى الشخصيات إلى غير ذلك من مجموعة القرارات التي تجد نفسك تتخذها أثناء تنفيذ العمل , والتي كلما تركتها لغيرك كلما بعد الفيلم عن وجهة نظرك ؛ فمثلاً لو تركت المونتاج تماماً يصبح بناء الفيلم قائماً على وجهة نظر المونتير , ويعني ذالك أن المونتير هو الذي قرر أن رد فعل معين يأتي في ترتيب معين أو يحذف بعض اللقطات من الفيلم , أي أن جزءاً من خلق الفيلم يرجع إلى اختيار المونتير .

        و أختيار صوت الصفعة أصبح لا ينتمي إلى المخرج بل أصبح خاصاً بمساعد المونتير الذي رأى أن صوت اللكمة مناسب أكثر من صوت الصفعة مع العلم بأنه قد يكون السبب في ذلك أنه المؤثر الوحيد المتوفر عنده أو أنه قام بإقتراضها من مساعد مونتير زميل له .

طالب  :

        أو يكون هذا هو تعبيره المحدود .

د/ سمير سيف:

        فعلاً, أو أنه قام بتسجيل المؤثر, ورأى أنه جيد . و أنا شخصياً أقوم أحياناً بالتحايل للأستعانة بمؤثر معين من الصعب توفره لدينا , فأذكر أنه في فيلم  النمر والأنثى .كان يوجد مشهد مطاردة بالسيارات و أنحرافات في الطريق و أصوات فرامل عالية , فتذكرت أنه في أحد أفلام المخرج  الفريد هيتشكوك  بعنوان family plot, يوجد مؤثر مشابه لما أريد و لحسن الحظ لا يصاحبه أي موسيقى , فقمت بتسجيلها و تم تركيبها على شريط الصوت و كانت النتيجة ممتازة .

د/ منى الصبان:

        و هذا يعني ضرورة أن يُعمل المخرج فكره و تخيله ؟

د/ سمير سيف:

        فعلاً , هذا لو أراد المخرج أن يصل إلى النتيجة التي يتمناها , و إلا كان من الممكن إلا أن أولي الموضوع الاهتمام نفسه , و أنشغل بتحضير عمل أخر أو أكتفي بالإستفسار عن وجود المؤثر مع مهندس الصوت , فإن لم يوجد أقوم بترك حرية التصرف في خلق المؤثر بين أيديهم دون أدنى تدخل مني

أ/ سعيد الشيخ:

        نعم, و يكتفون هم بدورهم بتعلية صوت موتور السيارة .

طالب  :

        هل معنى هذا أن يهتم المخرج بالمؤثرات أهتماماً كاملاً و لا يترك تحديدها لمساعد المونتير ؟

د/ سمير سيف:

        طبعاً , وقد أوضحنا ذلك , فالمخرج أمامه مجموعة القرارات التي تحدثت عنها و له الحرية في أتخاذها بنفسه أو أن يعهد لآخرين باتخاذها ,وفي هذه الحالة يكون قد تنازل عن جزء من قراراته لهؤلاء الأخرين

طالبة  :

        أريد أن أسأل عن دور القطع كاحدى وسائل الأنتقال , و تأثيره على إيقاع فيلم الحركة ؟ وموقعه بين وسائل الأنتقال الأخرى مثل المزج  dissolve  و المسح wipe و غيرهما ؟

د/ سمير سيف:

        أعتقد أن إجابة السؤال واضحة , لأن فيلم الحركة يتضمن المطاردات , أو الخناقات , أو المعارك , أو الهروب و هي مشاهد قائمة على حركات جسمانية تتسم بالعنف , أو السرعة و هذه السمة لا تتفق مثلاً مع وسيلة المزج  dissolve لذلك يتم أستبعاده بشكل تلقائي 

طالب  :

        ذكرت لنا قبل قليل مثالاً من فيلم الفك المفترس jaws , حيث نلاحظ أن المشاهد الأولى من الفيلم لم يكن بها قطع , و كان الإيقاع هادئ نسبياً !

د/ سمير سيف:

        نعم , و لكن ظهور الفك المفترس كان بواسطة القطع, ولابد أن نفرق بين القطع لوصف الحركة و القطع لخلق أحساس بالتوقع , بمعنى أنه إذا أردنا أن نصف الحركة , نقوم بتحليلها إلى أجزاء , كما في حالة تصوير فيلم تعليمي لرياضة معينة و ليكن مثلاً ( رمي الجلة ) , فنقوم بتجزئة الحركة الكاملة لرمي الجلة إلى عدة حركات أبسط مع تحديد وقت القطع عند إنتهاء كل حركة أو كل جزء من عملية الرمي .

        أما المثال الخاص بفيلم الفك المفترس jaws  , فقد كان المراد هنا خلق إحساس بالتوقع أو ما يسمى  suspense , و أحياناً كثيرة يصبح البطء أو الهدوء مطلوباً .

        وهذا ما ذكرته أيضاً عن المهادنة أو الخداع الأولى ,حيث نخلق جواً من الهدوء النسبي يعقبه مثلاً حركة كاميرا سريعة و مفاجئة , فقد تعلمنا على مدى عشرات السنين أنه عندما تتجول الكاميرا في مكان ما خاصة عندما تعبر عن وجهه نظر معينة subjective , حتى لو تم تنفيذ ذلك في أحد أفلام الكرتون  , نتوقع على الفور ظهور شيء ما

أ/ سعيد الشيخ:

        أو قد تحدث المفاجئة بعدم ظهور ما نتوقعه !

د/ سمير سيف:

        تماماً ,  ففترة التوقع أو إثارة التشويق كما يطلقون عليها أو ما يسمى بالإيقاع الحاذق (الذكي) بغياب القطع – حيث يشعرنا بأنه لا يوجد قطع من خلال تقليله إلى الحد الأدنى واستمرار الهدوء النسبي إلى أن تحدث المفاجأة مما يحيي الإيقاع مرة أخرى .

د/ منى الصبان:

        ويبدأ استخدام القطع مرة أخرى ؟؟

د/ سمير سيف:

        تماماً ، وهنا يصبح القطع كما قلنا كالأكسجين بالنسبة لعملية التنفس ولا بديل له .

د/ منى الصبان:

        ولذلك من الأفضل أن نقول مشاهد الحركة وليس أفلام الحركة ؟

طالبة  :

        هل يعني ذلك ألا نطلق على بعض الأفلام – أفلام حركة ؟؟

د/ منى الصبان:

        لا بالطبع ، أقصد أنه توجد في أفلام الحركة مشاهد يمكن استخدام المزجDissolve فيها .

أ/ سعيد الشيخ:

        المشاهد الدرامية أو العاطفية داخل أفلام الحركة .

د/ منى الصبان:

        بالضبط

د/ سمير سيف:

        حدث في فيلم (دائرة الإنتقام) ، أن قمنا بتصوير مشهد استغرق حوالي أربع دقائق لثلاثة من أبطال الفيلم في صحراء الهرم في حوار متصل عبارة عن ست صفحات ديالوج في لقطة واحدة قائمة على حركة الكاميرا ، والتنويع من خلال تبادل الأوضاع بالنسبة للتكوين الثلاثي .

وفي الفيلم نفسه مشهد آخر عانت مونتيرة النيجاتيف الأستاذة مارسيل صالح الأمرين عند التعامل معه ، حيث أنه كان يتكون من مائة وخمسة وعشرين لقطة في قطعات متتالية وقضت وقتاً طويلاً في العمل بحثاً عن أرقام الحافة Edge Number  لكل لقطة لتحديد أين تبدأ . وما أريد قوله هنا ، أن طبيعة المشهد هي التي تفرض الأسلوب الذي يتم من خلاله تناول عناصره أو لقطاته .

إنما عموماً ينسب الفيلم أو يتم تصنيفه وفقاً للطابع الذي يغلب على مشاهده ، فإذا كان يغلب عليه طابع العنف أو السرعة فيتم تصنيفه على أنه فيلم حركة ، أو وفقاً للفكرة الأساسية Main theme  للفيلم ، فيمكن مثلاً عند حساب مدة مشاهد الحركة في فيلم - مدته تسعون دقيقة – نجد أنها عشر دقائق فقط ومع ذلك نعتبره فيلماً من أفلام الحركة ، وذلك لأن الفكرة الأساسية للفيلم أو حبكة الفيلم لا يتم حلها إلا من خلال فعل جسماني أو أن التعبير عن شخصية البطل لا يتم إلا من خلال فعل جسماني .

        ففيلم الحركة لابد أن يقدم من خلال حركة ، أي أن نقاط الفواصل الأساسية في دراما الفيلم ، يتم تحريكها كنتيجة لفعل حركة ، وهذا هو ما يجعلنا نطلق على فيلم معين أنه فيلم حركة لأن حبكته والتطور الذي يحدث لها إلى أن يصل إلى نهايته ، كل هذا مبني على مشاهد الحركة .

        وهناك أفلام مثل (هاملت) – برغم كونه ميلودراما – إلا أنه انتهى مثلاً بمشهد حركة ، وبرغم كون شخصية هاملت تتميز بالتردد إلا أن بها High points تم حلها من خلال المبارزات والقتل ، أي من خلال فعل جسماني وعليه فيمكن تصنيف هاملت كفيلم حركة أو مسرحية حركة .

        ويقودنا هذا إلى أن فيلم الحركة يستطيع أن يتسع ليشمل نوعيات أخرى من المشاهد إلى جانب مشاهد الحركة ، هذه المشاهد تتناول جوانب أخرى من شخصيات الفيلم وصراعاتها الداخلية إلى جانب صراعاتها الخارجية ، ونعود للقول بأن فيلم الحركة كحبكة تتم فواصلها الأساسية من خلال أفعال جسمانية وهذا ما يميز أحد أفلام الحركة عن فيلم آخر ينساه المتفرج بمجرد أن يخرج من دار العرض .

طالب  :

        أريد أن استفسر عن تقنية تناول المؤثرات الخاصة , كطلقات الرصاص والآثار التي تحدثها في ديكور المشهد ، وأذكر مشهدين من أفلامك (الهلفوت , والمشبوه) كمثالين لذلك ، فأريد أن أعرف كيفية تنفيذ مثل هذه المشاهد لكي يكون تأثيرها على المتفرج بهذه المصداقية العالية ؟

د/ سمير سيف:

        سؤالك هذا ينقلنا إلى موضوع آخر مهم جداً ، عن نوع المؤثرات الخاصة التي يقوم بتنفيذها أخصائي المؤثرات الخاصة special effects  ، والمؤثر الذي سألت عنه على وجه الخصوص يسمى الفتيل fuse ، وهو عبارة عن عبوة صغيرة تحتوي على بارود متصل به سلك كهربائي ، يتم توصيله بمصدر للتيار الكهربي عبارة عن بطارية ( من خلال آداه تشبه جهاز المزج Mixer ) ومفاتيحه متصلة بقنوات channels عبارة عن قضيب خشبي به عدة مسامير, ويتم توصيل كل فتيل بأحد تلك المسامير ، ثم يقوم أخصائي المؤثرات الخاصة – بتوجيه من المخرج طبعاً – بزرع تلك العبوات وتوزيعها في أماكن محددة داخل موقع التصوير يتم تحديدها بناء على تصميم الحركة في المشهد وبناءاً على التأثير المطلوب أن تحدثه تلك العبوات فضلاً عما تتيحه عناصر المكان من أساليب إخفاء تلك العبوات ، فإن تواجد رمال فيتم إخفاؤها في الرمال أو يتم إخفاؤها بعد لصقها بشريط لاصق على أعمدة كهرباء مثلاً .

        فلو أن التأثير المطلوب هو طلقات مدفع رشاش ، يقوم أخصائي المؤثرات الخاصة بتوصيل التيار الكهربي إلى مجموعة من تلك العبوات في تتابع يوحي بأنها صادرة من مدفع رشاش ، أما لو كان المطلوب طلقات رصاص متباعدة ، فيقوم أخصائي المؤثرات بمتابعة الشخصية التي يتم إطلاق الرصاص عليها ثم يقوم بتوصيل التيار الكهربي للعبوات كل منها على حدة وفي نفس التوقيت الذي تمر فيه الشخصية بجانب العبوة المخبأة .

طالب  :

        وهل لدينا أخصائيو مؤثرات خاصة على مستوى عال من الكفاءة ؟

د/ سمير سيف:

        نعم ، لدينا عدد منهم ، ومن أشهرهم فريد عبد الحي , وآخر اسمه الدسوقي .

طالب  :

        وأين تلقى هؤلاء تدريبهم ؟؟

د/ سمير سيف:

        لقد تعلموا أسرار مهنتهم في فترة كانت ثرية جداً ، وهي فترة الإنتاج المشترك (كوبرو فيلم) عندما أتى السينمائيون الإيطاليون إلى مصر وقاموا بانتاج مجموعة من أفلام الحركة والأفلام الحربية الضخمة وأتى معهم مجموعة من أخصائي المؤثرات الخاصة ، عندها تتلمذ على أيديهم الأخصائيون الموجودون حالياً وكانوا طبعاً في سن أصغر وتعلموا منهم كيفية تنفيذ الانفجارات من خلال الفتيل ...ألخ .وكلما جاءت مجموعة انتاج مشترك ، كانوا يتعلمون من فنييها المزيد من المؤثرات مثل انقلاب السيارات , أو الارتطامات المختلفة .. إلى غير ذلك .

أ/ سعيد الشيخ:

        ولكن كل تلك المؤثرات الخاصة مرتبطة بالصورة وليس بالصوت ؟

د/ سمير سيف:

        طبعاً ، لأن صوت الفتيل الحقيقي عند الانفجار أشبه ما يكون بصوت البمب الذي يلعب به الأطفال ، ولا علاقة له بصوت الرصاص ، فالفتيل يقوم بإحداث التأثير البصري المطلوب ويكمله بعد ذلك المؤثر الصوتي أو صوت طلقات الرصاص ليصبح المشهد كاملاً صوتاً وصورةً

طالب  :

        أحياناً أيضاً نرى مؤثراً بصرياً آخر عندما تصيب الطلقة جسم الشخصية ؟؟

د/ سمير سيف:

        تماماً ، وهذه نفس الفكرة التي تحدثت عنها إلا أن االفتيل أو عبوة البارود يصحبها عبوة أخرى تحتوي على صبغات الدم ويتم تثبيتها تحت ملابس الممثل ، ويتم وضع عازل مناسب بين العبوتين وبين جسم الممثل لحمايته من الانفجار ، فعند حدوث الانفجار تتمزق العبوة التي تحتوي على الدم لكي تعطي التأثير بإصابة الشخصية .

        وأريد التأكيد هنا على حساسية أخصائي المؤثرات الخاصة في تنفيذ هذا النوع من المؤثرات بحيث لا يكون مبالغاً في تقدير كمية البارود أو كمية الدم فتظهر الشخصية كما لو أنها أصيبت بقذيفة مدفع , ولا أن تكون كمية البارود وكمية الدم أقل من اللازم بحيث تثير سخرية المتفرج .

طالبة  :

        نريد أن نعرف رأيك في مشاهد الموت في أفلامنا المصرية ، لأنه لاحظنا أنها لم تعد مقنعة بالقدر الكافي ، فما الذي يعيب أداء بعض الممثلين لهذه المشاهد ؟؟

د/ سمير سيف:

        مشاهد الشخص الذي يموت وأيضاً مشاهد الشخص المخمور ، من المشاهد التي تعتبر اختباراً حقيقياً للممثل ، لأنه لو لم يكن الممثل متمكناً من أدواته عادةً ما يجنح إلى المبالغة في الأداء أو يميل إلى تقليد تجارب آداء سابقة لآخرين ، ومن هنا يأتي عدم الاقتناع بأدائه لأنه لم يأخذ الوقت الكافي في دراسة المشهد لكي يعلم حقيقة ما يحدث في الواقع .

        وعلى الجانب المقابل ، أذكر أنه في فيلم هجومAttack للمخرج روبرت ألدريتش وكان فيلماً حربياً ، حدث أن لفظ أحد الجنود أنفاسه أثناء القائه لجملة حوار ، فأنهى أداءه وفمه مفتوح قبل أن ينهي آخر كلمة في جملة الحوار . فيتضح هنا أن هذا التعبير مستقي مباشرة من الواقع .

أ/ سعيد الشيخ:

        معايشة تامة للمشهد ..

د/ سمير سيف:

        فعلاً ، يعني أنه شخص رأى هذه الصورة في حرب حقيقية ، فاقتناعنا بالمشهد ينبع ببساطة من الابتعاد عن الاكلشيهات أو الابتعاد بقدر الإمكان عن التقليد بل محاولة التفكير باستمرار في إبداع الشئ الأصيل .

أ/ سعيد الشيخ:

        يذكرني إبداع الشئ الأصيل بالفنان الكبير كمال الشناوي الذي أعطى بعداً غير مسبوق لشخصية الشرير Villain   بعد أن ظل التعبير عنها لمدة طويلة يقتصر على رفع أحد الحاجبين وخفض الآخر

د/ سمير سيف:

        فعلاً ، ولابد هنا من أن نرجع الفضل لأهله وأقصد بذلك المخرج  كمال الشيخ الذي أخرج فيلم (حبي الوحيد) الذي يعتبر أول فيلم ظهر فيه كمال الشناوي بهذه الصورة أي الشرير الهادئ ، وحتى قبل أن يؤدي دوره في (اللص والكلاب) .

طالبة  :

        وقبل دوره أيضاً في فيلم (المرأة المجهولة) ..

د/ سمير سيف:

        دوره في فيلم المرأة المجهولة كان مختلفاً ، استعان على أدائه بالمكياج وقدرته كممثل درامي ، أما شخصية الشرير التي أقصدها فهي شخصية الشرير الجذاب ، الشخصية المحببة التي يوجد بداخلها بُعد الشر الذي لا يعبر عن نفسه من خلال المبالغة ، بل ربما يتم التعبير عنه من خلال نظرة باردة أو نغمة صوت ، وكان كمال الشيخ أكثر مخرج استطاع أن يحقق المعادلة الصعبة .. ففيلم (حبي الوحيد) يعتبر ثورة من خلال هذا المنظور .

د/ منى الصبان:

        كان تطوراً هائلاً ..

د/ سمير سيف:

        ثم يلي هذا الفيلم فيلم آخر هو (اللص والكلاب) ومن ثم توالت الأعمال التي أخذ فيها هذا الخط ، وحيث أن الشئ بالشئ يذكر فأريد هنا أن أقوم بالتأكيد على أن أفضل شرير يظهر على الشاشة ، ظهر في أفلام كمال الشيخ حيث أنه أولى أهتماماً كبيراً بشخصية الشرير في أفلامه ، أكبر حتى من شخصية البطل ، وكان عادةً يسند دور الشرير إلى الفنان محمود المليجي .

        والاهتمام بشخصية الشرير قاعدة هتشكوكية -تنسب إلى هيتشكوك-معروفة . مفادها أن جودة الفيلم تتناسب طردياً مع رسم شخصية الشرير فكلما أبخسنا شخصية الشرير حقها في التقدير ، كلما أثر ذلك على جودة الفيلم بالسلب ، والعكس صحيح ، كلما كانت شخصية الشرير مدروسة بعناية كلما اكتسب الفيلم قيمة أكبر

طالب  :

        بالنسبة للتصوير بكاميرتين أو أكثر كنت أريد أن أعرف هل يتم تشغيل الكاميرتين طوال وقت التصوير ، أم أن ذلك يحدث عند الحاجة وفقاً للتصميم المسبق الذي يقوم بإعداده المخرج ؟

د/ سمير سيف:

        أنا غالباً ما أقوم بالاستعانة بكاميرتين عند تصوير مشاهد الحركة ، وخاصة عندما تكون الحركة على نطاق واسع wide scale   ، وأذكر هنا مثالاً على ذلك .. وهو مشهد يبدأ بسيارة جيب تنزل من أعلى منحدر ويتم تصويرها بالكاميرا الأولى ونستكمل المشهد بالسيارة تقوم بالفرملة كرد فعل لرؤية شئ معين فتتقهقر إلى الخلف بينما تسد سيارتان عليها الطريق من الخلف ويتم تصوير الحركة بالكامل بواسطة الكاميرا الأولى ، بينما يتم وضع الكاميرا الثانية مخبأة في أحد الأبنية لكي تقوم بتصوير الجزء أو التفصيلة الخاصة بقيام السيارتين الأخريتين بسد الطريق على السيارة الجيب .

        ويساهم هذا الأسلوب في توفير الوقت والجهد والنفقات ، كما أنه يحافظ على الإيقاع نفسه بالسرعة نفسها ، على اعتبار أنه باستعمال كاميرا واحدة يضيع بعض الوقت إلى ان يتم إعدادها للتصوير من زاوية أخرى فضلاً عن شبه استحالة الوصول إلى مطابقة الحركة matching أثناء المونتاج .

        وأذكر مثالاً أخر عندما قمت بالعمل في فيلم أمريكي ، أنه تم تصوير مشهد انقلاب سيارة ووقوعها في نهر النيل بواسطة أربع كاميرات تم توزيعها كالآتي ..

        الكاميرا الأولى تم أعدادها عند بداية شاطئ النيل جهة الطريق , و الكاميرا الثانية تم وضعها عند مستوى الماء , و أذكر هنا أنهم قاموا بإعداد علفة أو قاعدة خشبية تم تثبيتها على شاسيه أو هيكل معدني تحت مستوى الماء لكي تسقط السيارة عليها عند وقوعها في الماء و ذلك لكي يسهل أنتشال السيارة من ماء النهر من جهه , و كعامل أمان لمن بداخلها لكي نتمكن من أخراجه من السيارة في الوقت المناسب . أما الكاميرا الثالثة فقد تم وضعها فوق الجسر لكي نقوم بتصوير السيارة و هي آتية في اللقطة العامة long shot و أخيراً الكاميرا الرابعة قامت بتصوير اللقطة القريبةclose up  الخاصة بإنقلاب السيارة ووقوعها .

مع ملاحظة أن الأمريكان لاتشغل بالهم مسألة أستهلاك الفيلم الخام فعندما يبدأ تصوير المشهد تدور الأربع كاميرات طوال الوقت حتى ينتهي المشهد . و للعلم , فإن نسبة إستهلاك الفيلم الخام بين المحترفين الأمريكان هي 1 : 10 .

د/ منى الصبان:

        1 : 10  , هذه نسبة هائلة !

د/ سمير سيف:

        و نسبة أستهلاك الفيلم بين الهواة الأمريكان , تعادل نسبة إستهلاك الأفلام فى دول شرق أوروبا وهي 1 : 3 , أما عندنا فالنسبة تصل في بعض الأفلام 1:1  و طبعاً أنا أبالغ لكي أظهر لكم حرص البعض على توفير الفيلم الخام

د/ منى الصبان:

        البعض منهم  يقوم بالاستغناء عن الكلاكيت لكي لا يفقد جزء من الفيلم الخام ..

د/ سمير سيف:

        فعلاً , أو يجعل الكلاكيت في أضيق الحدود الممكنة , هذا فضلاً عن أن تقنية مثل تكرار الحركةover lapping أصبحت في طي النسيان , لأن أستعمال مثل هذه التقنية يعني إعادة جملة أو إعادة حركة و في هذا أستهلاك زائد للفيلم الخام

د/ منى الصبان:

        هناك بعض الممثلين أشتكى من هذه المسألة , لأن بعض المخرجين لا يتركون له الفرصة حتى للتعبير بعد أن ينهي جملة حواره .

أ/ سعيد الشيخ:

        الممثل يريد أن ينهي جملة الحوار بالشكل اللائق و يأخذ الفرصة لكي يصل بالتعبير إلى ذروة الأداء.

د/ سمير سيف:

        أما في حالة المثال الذي ذكرته , و لكوننا نعمل بنسبة أستهلاك قليلة أيضاً , فنراعي عند تصميم المشهد , تحديد الفترات التي لن تستخدم بالنسبة لكل من الكاميرتين useless, فيتم توجيه التعليمات إلى المصورين cameramen  من خلال وسيلة أتصال talky wacky  لأدارة كل من الكاميرتين فى الوقت المناسب فإن لم توجد وسيلة الأتصال , و بدلاً من أن نفسد شريط الصوت بإعطاء التوجيهات من خلال الصوت العالي , نقوم بالإتفاق معه مسبقاً بإنه مثلاً عند شعورك بصوت موتور السيارة الجيب أو رجوعها إلى الخلف , قم بإدارة كاميرتك و هكذا .و لكن من الناحية النظرية يفترض إدارة كل الكاميرات الموجودة بموقع العمل منعاً لأي لبس يمكن أن يحدث , ولكن فى النهاية نعود و نراعي الناحية الأقتصادية .

د/ منى  الصبان:

        و هل تستخدم أسلوب تكرار الحركةoverlapping في أعمالك أم لا ؟

د/ سمير سيف:

        لابد من أستخدامه , و خاصة بالنسبة للممثل , لا يمكن أن أكتفي بتصوير جملة واحدة , مهما بلغ الممثل من مكانة , و هذا ليس تقليلاً من شأنه , على العكس بل أني أحرص على أن أحصل منه على كل ما لديه , لأن هذا يزيد من معايشته للمشهد إلى أن يصل إلى رد الفعل الذي أريده و ليس رد الفعل الذى يقوم بإستعادته من مخزونه المهني , وحتى يصل أيضاً إلى رد الفعل للجمل التالية لرد الفعل الأول فيصبح تطور أدائه سليماً تماماًَ ولا أقوم بالقطع أثناء التصوير إلا بعد أن ينتهي تماماً من أدائه , لأنه أحياناً ما نفاجئ برد فعل أفضل أو يقوم الممثل بتفصلية من وحي إحساسه الطبيعي تجبرني أن أستعملها في وسط المشهد . و هذه الأشياء التي قد تبدو صغيرة للبعض هي التي تعطي ثقلاً للمشهد و تجعله أكثر مصداقية و لا يصبح الوضع كما لو أن بعض الممثلين أجتمعوا لكي يلقوا حواراً .

بل يتعدى الأمر ليصل إلى المعايشة الكاملة للمشهد و بالنسبة  لتكرار الحركة overlapping  يعتبر هام أيضاً في مشاهد الحركة , و أذكر هنا مثالاً لذلك للفنان عادل امام يبدأ بلقطة له و هو يلقي بحقيبة و تنتهي اللقطة , وتبدأ اللقطة التالية بتصوير عادل امام و هو ينهي حركة إلقاء الحقيبة و يستمر في سيره . ولابد أن نراعى هنا عند تصوير اللقطة التالية أن نحافظ على المطابقة matching بين اللقطتين.فإذا كان الجاكت الذي يرتديه تحرك من على جسده بفعل إلقاء الحقيبة في اللقطة الأولى فلا يمكن أن يظهر منضبطاً في اللقطة التالية , هنا تظهر أهمية أستخدام تكرار الحركة overlapping  ولا يوجد له بديل للوصول إلى نتيجة كهذه التي ذكرتها .

د/ منى الصبان:

        أعتقد أن أهم  راكور في السينما هو راكور الأنفعال , فبرغم صعوبة الخطأ في راكور خاص بالملابس أو الديكور , إلا أنه يمكن التغاضي و لو قليلاً عنه , أما أن يحدث الخطأ في راكور الأنفعال كأن تقوم ممثلة مثلا في لقطة ما بالصراخ فى مقدمة الكادر ويظهر ممثل أخر في الخلفية , وفي لقطة تالية يقف الممثل فى مقدمة الكادر, وتظهر الممثلة التي انتهت لتوها من صرختها و لا يبدو عليها أي علامة لذلك , مما يحدث صدمة قوية للمتفرج لا يمكن التجاوز عنها .

طالب  :

        أريد أن أسأل عن علاقتك بالممثل وأسلوب توجيهك له ؟

د/ سمير سيف:

        كبداية أود أن أوضح أن أي مخرج في العالم على وعي كامل بأدواته التي يستعين بها في عمله . وما تريد أن تسأل عنه هو الذي يفرق بين مخرج وآخر, ألا وهو قدرته على توجيه الممثل نحو أداء متميز .

طالب  :

        لاحظنا الاختلاف في أداء الفنان عادل إمام في فيلم المشبوه عن نوعية أدائه في أفلام سابقة فما هو سبب ذلك ؟

د/ سمير سيف:

        وهذه هي النقطة التي قصدتها من أن أسلوب المخرج في التعامل مع ممثليه يخلق الاختلاف الذي لاحظته في أداء الفنان عادل إمام. ولاحظ أن أداء الممثل وصدقه في التعبير أقرب من ناحية تأثيره في المتفرج عن التأثير الذي يمكن أن تحدثه براعتك في تحريك الكاميرا أو براعتك في التكوين أو غيرها من البراعات التقنية .

        فلابد أن يعي المخرج هذه الحقيقة ، وأنا أعتبر نفسي محظوظاً لإدراكي لهذه الحقيقة منذ بداية   عملي ، حيث أنه هناك أخرين يبدؤون حياتهم المهنية وتكون هذه المعلومة غائبة تماماً عن أذهانهم ، وتجد أن الواحد منهم يولي أهتمامه الأكبر إلى وضع الكاميرا أو حركتها أو الإضاءة أو الصوت الى آخره  من التقنيات المهنية وينسي الممثل تماماً ، وعليه فيعتمد الممثل على نفسه كنتيجة حتمية لهذا الأسلوب الذي يتبعه المخرج ، والذي يتحول بهذا إلى ما يشبه شرطي المرور ، الذي يكتفي بتنظيم حركة دخول وخروج الممثلين بهدف عدم حدوث اصطدام في الميزانسين ، ويقوم الممثلون كما قلت بالاعتماد على أنفسهم فيما حفظوه من جمل الحوار ، وطبعاً ليس هذا بالإخراج ، لأن هذا الأسلوب يدمر علاقة المخرج بممثليه .

        وهناك حقيقة أخرى يجب أن أذكرها ، وهي أن الممثلين لديهم أحد العيوب الأساسية التي يشبهونها بالعكازات , ويظهر هذا العيب بمجرد أن يهمل المخرج الممثل . فيقوم الممثل باللجوء إلى عكازاته القديمة ، لأنها تصبح حينئذ وسيلته الوحيدة للشعور بالأمن والطمأنينة التي هي أحد أساليبه القديمة التي قام بتجربتها من قبل ونالت النجاح ، أما الأسلوب الصحيح في توجيه الممثل فيعتمد أساساً على إقامة علاقة قوية مبنية على التعاون بين المخرج والممثل .

وفي هذا الصدد ، أذكر ما قاله المخرج ( إيليا كازان ) - والذي يعتبر أشهر من قاد الممثلين - في معرض حديثه عن البروفات ، إنها لا تقتصر فقط على مايحدث قبل تصوير اللقطة , بل يتعداها إلى أبعد وأعمق من ذلك . فالبروفات تبدأ منذ اتفاق المخرج مع الممثل مروراً بمقابلته وأحاديثه معه ودردشته معه بين اللقطات أو في أثناء فترة الاستراحة ، كل هذا يدخل ضمن البروفة ، حيث يقوم المخرج ولو بشكل غير متعمد بشحن الممثل بأفكار محددة ، تعبر عن رؤيته وأحلامه فيما يتعلق بالمشاهد ، ويقوم الممثل بدوره باختزان هذه الأفكار ، حيث تتفاعل مع خبراته الشخصية – التي قد تفوق خبرة المخرج في بعض الأحيان – إلى أن تتبلور في صورة جديدة للأداء يستفيد المخرج منها أثناء تنفيذ العمل ، فالممثل الذي قد يكبر المخرج سناً وقام بالعمل في عدد أكبر من الأعمال الفنية ، من المؤكد أن حصيلة خبراته الحياتية والمهنية أكبر بكثير من حصيلة المخرج الأصغر سناً والأقل خبرةً ، فعندما ينجح هذا المخرج في مد جسور العلاقة القائمة على الثقة والتعاون المتبادل ويتحاور مع الممثل فلابد أن الممثل سوف يمد المخرج بأفكار قد تساعده في خلق الشخصية وتحديد ملامحها . وينعكس هذا بالتالي على الشكل النهائي للأداء وينجحان معاً في الوصول إليه .

وعلى الرغم من أن مصر حظيت على مر تاريخها السينمائي وحتى الآن بممثلين يعدون من العباقرة إلا أن قيام أغلبهم في الفترات الأخيرة بالعمل في أعمال تليفزيونية ، أفسدهم مهنياً .. بمعنى أن أختلاف الأساليب وتقنيات العمل التليفزيونى عن العمل السينمائى أربك هؤلاء الممثلين وطبعهم بطابعه الخاص .

طالبة  :

        هل لابد من توافر طبيعة خاصة للممثل الذي يشارك في أفلام الحركة ؟؟

أ/ سمير سيف:

          طبعاً يعتبر الممثل ممثلاً في كل الأحوال ، إلا أن الطبيعة الخاصة التي تسألين عنها تتعلق بالكفاءة الجسمانية وما يرتبط بها من مزاج نفسي للممثل ، فعلى حين يوجد ممثلون في منتهى الكفاءة من الناحية الدرامية ، إلا أنه إذا اضطر أحدهم للقيام بمشهد حركة يفتضح أمره بمعنى الكلمة ، وذلك لأن بعض الممثلين لايتفق مزاجهم النفسي مع قيامهم بتوجيه اللكمات مثلاً ، كما أن هناك بعض الممثلين يشعرون أنهم عندما يمسكون ببندقية وكأنهم يمسكون بعصا أو ما شابه ذلك ، ويوجد ممثل آخر يشعرك في الموقف نفسه أن البندقية التي يمسكها جزء لا يتجزأ منه ، وهذا هو الذي يجعل بعض الممثلين يتميزون عند أدائهم لمشاهد الحركة عن غيرهم ممن تشعر بعدم توافقهم مع مشاهد الحركة .

أ/ سعيد الشيخ:

        تماماً ، فنحن نعلم أن هناك ممثلين كبار مثل (حسين رياض) لايمكن أن نتخيلهم في مشهد خناقة مثلاً أو يقومون بممارسة أكروبات لأن تكوين شخصياتهم لا يسمح بذلك .

طالبة  :

        ولماذا يستطيع بعض الممثلين العالميين الجمع بين القدرة على الأداء التمثيلي والقدرة على تنفيذ الأفعال الجسمانية التي يتطلبها مشاهد الحركة ؟؟

د/ سمير سيف:

          كان لدينا قديماً الاهتمام بكل تفاصيل إعداد الممثل في المعاهد الأكاديمية – التفاصيل التي لازالت تلقى العناية الواجبة على مستوى العالم – فضلاً عن اهتمام الممثل ذاته بها من خلال ممارسة كل الرياضات الأساسية كركوب الخيل , والسباحة , وسلاح الشيش .. إلى غير ذلك من الرياضات التي تتيح للممثل أن يبقى دائما في لياقة بدنية عالية ، وليس بالضرورة أن يمارس رياضة كمال الأجسام Body building   , أنما فقط يحافظ على تناسق تكوينة العضلي وذلك يساعده بالتبعية في أداء الأعمال البدنية التي تتطلبها مشاهد الحركة فضلاً عن مساهمة ذلك في تكوين الصورة .. ومثال على ذلك الممثل الأمريكي (توم كروز) فبرغم وسامته ، إلا أننا نستطيع أن نرى قوة بنيانه الجسماني.

        وأذكر أنني شاهدت فيلماً قديماً بعنوان (الأشقياء الثلاثة) بطولة شكري سرحان ، أحمد رمزي ، يوسف فخر الدين ، وهو يعتبر مثالاً لاهتمام ممثلينا قديماً بالمحافظة على تناسق أجسامهم كما ذكرت .

        أما الآن ، فاللأسف فإن أغلب ممثلينا حتى وأن أظهروا هذا الاهتمام في بداية حياتهم المهنية إلا أنهم يفقدون هذا الاهتمام رويداً رويداً إلى أن ينتهي اهتمامهم بمظهرهم أو تكوينهم البدني تماماً .

        وهناك مثال لإلتزام الفنان وهي كوكب الشرق السيدة أم كلثوم التي كانت تحافظ على نوعية غذائها ونوعية المشروبات التي تفيد صوتها وكانت تواظب على مواعيد مقدسة للإستيقاظ والنوم لأنها تعلم جيداً أن هناك ضريبة لابد وأن تدفعها لكي تظل محتفظة بمكانتها على قمة عرش الطرب ، في حين نجد نوعية أخرى من الفنانين تفتقد هذا الوعي وتفقد معه قدرتها على أن تقول ببساطة لا لكل مغريات الحياة التي تؤثر تدريجياً على مستواها من ناحية الشكل أو المضمون

أ/ سعيد الشيخ:

        وهذه كلها علامات لعدم إلتزام بعض الفنانين ..

د/ سمير سيف:

        نعم ، فمهنة التمثيل لها متطلبات معينة ، مثلها في ذلك مثل أي مهنة أخرى ، فلاعب الكرة مثلاً لابد أن يواظب على التمرين حتى يستطيع أن يجيد الأداء في المباراة التي يلعبها ، واحتراف التمثيل يشبه إحتراف الرياضة ، فلابد من التدريب المستمر لكي يستطيع الممثل أن يجري أو يقفز على حصان أو حتى يهبط السلالم برشاقة .

أ/ سعيد الشيخ:

        والممثل الذي يفعل ذلك إنما يعكس مدى إلتزامه وإحترامه لمهنته ..

طالب  :

        أريد أن أسأل عن عملية أختيار البديل (الدوبلير) في أفلام الحركة ؟؟

د/ سمير سيف:

        هنا يمكن أن يواجه المخرج مشكلة أختيار بديل يشبه الممثل في الطول أو الحجم أو لون البشرة .. ألخ ، وقد لا يتوافر البديل المناسب فيضطر المخرج إلى الاستعانة بأقرب المتاح شبهاً بالممثل ، وتذكروا معي فيلم (رصيف نمرة 5 ) في مشهد الخناقة بين الفنانين (فريد شوقي و محمود المليجي) وطبعاً جزء من المشهد تم تصويره بالاستعانة بدوبلرين. وعادة كان يتم الاستعانة ببديل للفنان فريد شوقي أسمه محمد الحلو والذى كان قريب الشبه به جداً ,إلا أنه لم يكن موجوداً فى القاهرة فى وقت التصوير فقام المرحوم الطوخي توفيق بالعمل مكانه وكان بعيداً كل البعد عن فريد شوقي ، فقد كان نحيفاً , وكان واضحاً جداً الفرق بينه وبين فريد شوقي في لقطة يقوم فيها بحمل دوبلير الفنان محمود المليجي عالياً لكي يلقيه على سرير في الغرفة .

        وعلى النقيض أذكر مثالا أخر للتوفيق في اختيار الدوبلير ، ففي فيلم بعنوان (وادي الملوك) تم اختيار الفنان (رشدي أباظة) كبديل للممثل الأمريكي (روبرت تايلور) ومازال لدي صورة تجمع بين رشدي أباظة والبديلة الأمريكية للممثلة أليانور باركر وكانوا يرتدون الأزياء نفسها ولايمكن لمن يرى هذه الصورة أن يستطيع أن يميز الدوبلير من الممثل البطل – وهذا يفيد مخرج العمل بالطبع لأننى أستطيع أن أجزم أنه أستطاع أن يخدع عين المتفرج ليس فقط في اللقطة العامة, بل وأيضاً في اللقطة المتوسطة .

د/ منى الصبان:

        هل عمل الفنان رشدي أباظة كدوبلير فعلاً ؟؟

د/ سمير سيف:

        نعم ، وكان هذا عام 1952 أو 1953

د/ منى  الصبان:

        معنى هذا أنه عمل كدوبلير قبل أن يعمل كممثل في السينما المصرية ؟؟

د/ سمير سيف:

        لا . كان وقتها يعمل أدواراً صغيرة في أفلام أذكر منها على سبيل المثال (إني راحلة ، تجار الموت) ولم يتنبأ أحد للفنان رشدي أباظة بالنجاح الذي حققه . وكانت البداية الحقيقية له في فيلم (امرأه في الطريق) ثم فيلم (الرجل الثاني) .

طالب  :

        هناك معلومة سمعتها عن وجود دوبلير لصوت الممثل فضلاً عن دوبلير لصورته مثل الممثل الهندي (أميتاب باتشان) فيقال إنه – ونظراً لأن صوته حاد – يستعين بدوبلير كل وظيفته أن يكون صوت أميتاب باتشان ؟؟

            د/ سمير سيف:

        أنا أشك في هذه المعلومة ، إنما يمكن أن يكون له دوبلير غنائي شأنه في ذلك شأن كل الممثلين الهنود ، إنما أن يتم الإستعانة بدوبلير صوتي فمعنى ذلك أن يقوم بتنفيذ دوبلاج لكل الفيلم وهذا صعب فضلاً عن عدم وجود حاجة لذلك ، ففي أوروبا مثلاً يوجد دوبلير صوتي لكل ممثل أمريكي لأنه يتم عمل دوبلاج باللغات الأخرى لكل الأفلام الأمريكية التي تعرض في البلدان الأوروبية وذلك حتى يتم المحافظة على جو الفيلم ، فنجد مثلاً دوبلير صوتي للممثل (لي مارفن) أو الممثل (روبرت ميتشوم) ، مما يتيح للمتفرج الذي يعرف صوت الممثل الحقيقي أن يتقبل صوته البديل باللغة الأخرى ولا يتولد عنده أحساس بغربة الصوت .

        وعندنا في مصر ، لاحظت تنفيذ هذا الأسلوب في فيلم للمخرج أ/ عاطف سالم بعنوان (موعد مع المجهول) حيث تم عمل دوبلاج لدور البطولة النسائية كاملاً والتي أدته ممثلة كانت وجهاً جديداً في وقتها أسمها (هالة شوكت) وكانت ممثلة سورية ، ونظراً لأن الدور لشخصية مصرية تعيش في الإسكندرية ولكي يتم تفادي وجود لكنة سورية في صوتها تم الإستعانة بالفنانة (إحسان القلعاوي) لكي تؤدي دوبلاج صوتي للممثلة السورية . الأمر الذي كان يجب مراعاته مثلاً في فيلم اليوم السادس للمخرج يوسف شاهين الذي لعبته الفنانة (داليدا) لكي يتم التغلب على اللكنة الأجنبية وعدم تمكنها من مخارج الألفاظ العربية في حين أنها كانت تلعب دور امرأة من صعيد مصر .

            طالب  :

        أذكر أنني شاهدت فيلماً روائياً منفذ له دوبلاج باللغة العربية وكان دور البطولة لشخصية رومانسية تعيش قصة حب وكان الفنان (حمدي غيث) هو الذي يقوم بالأداء الصوتي لهذه الشخصية فلم أستطع تقبله فيها .

            د/ سمير سيف:

        هناك أمور أخرى تؤخذ في الاعتبار ففي العادة يتم الاستعانة بممثلين لديهم الخبرة الإذاعية أو الصوتية فضلاً عن القدرة على المحافظة على التزامن بين الأداء الصوتي والأداء المصور ، ولذلك تجد عادةً نوعاً من السرعة في إيقاع الحوار لتحقيق هذا التزامن .

طالب  :

        إذن أستطيع أن أقوم بتنفيذ فيلم كامل من خلال الدوبلاج !! لكن أعتقد أنه لا يمكن المحافظة على إيقاع الصوت نفسه بالنسبة للصوت الحقيقي !!

د/ سمير سيف:

        أنت تفترض عدم وجود صوت آخر ، إذا كان الدوبلاج منفذاً للدور بالكامل .

أ/ سعيد الشيخ:

        لايجوز أن يتم تسجيل جزء بصوت هالة شوكت وجزء آخر بصوت إحسان القلعاوي !

د/ سمير سيف:

        لا ، لا يمكن ، حتى لا يفقد العمل مصداقيته ، ونظراً لأن صوت هالة شوكت كوجه جديد لم يكن معروفاً فلا بأس من الاستعانة بالبديلة .

 طالبة :

        رأينا فيلم عمر المختار بنسختيه العربية والإنجليزية ولاحظنا الفرق الهائل بين النسختين ولم نستطع تقبل الأصوات البديلة برغم أنه نفس الأداء ؟؟

د/ سمير سيف:

        أنت تتحدثين من وجهة نظرك كدارسة أو كعاملة في المجال السينمائي ، إنما عامة الناس يجوز أن يتقبلوا النسخة العربية أكثر من تقبلهم للنسخة الأجنبية وهذا لأن أصوات الممثلين المصريين مألوفة لديهم أكثر من أصوات الممثلين الأجانب ، فضلاً عن أن الممثل الأجنبي غير معروف لغالبية المشاهدين المصريين

د/ منى الصبان:

        أريد أن أعرف رأيك في أن يضطر المخرج لتنفيذ دوبلاج الفيلم لكل ممثل على حده ، وأنا عاصرت مثالاً لذلك في فيلم آدم بدون غطاء للمخرج الأستاذ محمد نبيه , والمونتاج للأستاذ سعيد الشيخ وكان بطولة الفنانين محمد صبحي ونيللي ؟؟

د/ سمير سيف:

        نعم ، أنا قمت بهذا كثيراً نظراً لإنشغال أحد الممثلين أو سفره ، إلا أن لهذا الأسلوب عيوباً كثيرة منها المجهود الإضافي الذي يقع على المونتير ومساعده الذي يقوم بتركيب هذه الأصوات على شريط الفيلم ، وعيباً آخر هو افتقاد التفاعل بين أصوات الممثلين أثناء الحوار ، فالممثل عندما يجيب ممثلاً آخر أو يرد على جملة حواره يقوم بالتقاط النغمة الصوتية voice tone  التي سوف يبدأ بها جملة هى من نغمة صوت الممثل زميله الذي سبق وأن وجه إليه الكلام .

د/ منى الصبان:

        أحيانا تشعر بوجود تداخل بين صوت شخصيتين يتحدثان في حوار بمعنى أن يبدأ أحدهما الكلام قبل أن ينهي الآخر جملته ؟؟

د/ سمير سيف:

        لدي ملاحظة فيما يتعلق بالدوبلاج بصفة عامة ، فنظراً لأنه عادة ما يتم التصوير الخارجى بكاميرا صغيرة ، عندها يبدو أن السرعة تقل عن الـ 24 كادراً فى الثانية , مما يجبر الممثلين عندما يقومون بتسجيل الدوبلاج ، على أن يكون ايقاعهم سريعاً إلى حد ما فيظهر ذلك في أدائهم المتلاحق لجمل الحوار .

        والعيب الثاني للدوبلاج هو الصدى Echo الذي يتولد بشكل طبيعي داخل صالة الدوبلاج ، والذي يجعل الصوت يختلف إختلافاً كلياً عن الصوت الذي يتم تسجيله في موقع التصوير الحقيقي أو في الهواء الطلق مثلاً ، حتى لو تم إضافة أصوات الجو العام الى خلفية أصوات المشهد , الا أنه يظل واضحاً أن درجة النقاء مصطنعة .

أ/ سعيد الشيخ:

        يصعب أحياناً أن نفرق بين الصوت المنفذ بالدوبلاج والصوت المباشر Direct sound , وذلك عند التنفيذ الجيد للدوبلاج وإجراء المعالجة الصوتية الملائمة .

د/ سمير سيف:

        طبعاً ، فالوصول لهذه النتيجة يحتاج إلى تكاتف العديد من البراعات المهنية ، ويوجد تشابه بين هذا الأمر ، وبين أمر آخر خاص بالصورة ألا وهو التماثلMatching أو التزاوج بين الصورة التي تنتج عن التصوير الخارجي , والصورة التي تنتج عن التصوير الداخلي ، وذلك من خلال ضبط للإضاءة وغيرها من مقومات فن التصوير السينمائي .

د/ منى  الصبان:

        نريد أن تحدثنا عن الفرق بين تجربتك في العمل السينمائي وتجربتك في العمل التليفزيوني ، وماذا وجدت من أوجه تشابه وأوجه إختلاف بينهما ؟؟

د/ سمير سيف:

        الإختلاف الأساسي – من وجهة نظري الخاصة – هو اختلاف في أسلوب المعالجة الدرامية ، وليس في أسلوب الإخراج أو التصوير ، وذلك لأن العمل التليفزيوني وسيط Media إعلامي مرئي كالعمل السينمائي ، فالمعالجة البصرية والصوتية واحدة في النوعين .

        إلا أن المعالجة الدرامية تختلف باختلاف نوعية الموضوعات التي تلائم التليفزيون وطريقة طرح هذه الموضوعات . فنظراً لأن العمل التليفزيوني لا يقل في العادة عن عشر ساعات ونصف تترجم إلى مسلسل من ثلاث عشرة حلقة ، مما يعطي مساحة أكبر لعرض موضوع العمل في حين أن العمل السينمائي المحدد بساعتين فقط في الغالب يجعلنا نراعي التدقيق الشديد في الكتابة السينمائية فلا داعي مثلاً لتكرار معنى من خلال جملة ما تم طرحها قبلا أو الإلتزام بتحديد الإضافة التي يضيفها أحد المشاهد إلى العمل قبل إضافته للمشاهد الأخرى ، وذلك على عكس العمل التليفزيوني تماماً .

        وهناك أيضاً سبب آخر غير المدة الزمنية لكل من النوعين ، فعندما يذهب المتفرج ليرى فيلماً في أحدى دور العرض السينمائي ، فإنه يهيئ نفسه لكي يكون متفرغاً تماما للفرجة ، يساعده في ذلك المناخ الذي تهيئة دار العرض ، أما عند مشاهدة مسلسل تليفزيوني في البيت ، يصبح من الصعب جدا تحقيق مثل هذا المناخ ، فالنور مضاء وقد يتواجد أشخاص آخرون منشغلين بأحاديث جانبية ، وقد يدق جرس التليفون أو الباب فيضطر للإجابة ، وحتى عند تحقيق التفرغ التام للفرجة ، فهناك يوم كامل أربع وعشرون ساعة تنقضي بين مشاهدة حلقتين متتاليتين فتجبرنا هذه الحقيقة على أن نشير من وقت لآخر إلى العلاقات بين شخصيات المسلسل وتطورها مع الوقت .

إلا أنه يجب أن نلاحظ اختلافاً آخر يتعلق بدرجة اتقان العمل ، والمسلسل الذي ذكرنا أن مدة عرضه في المتوسط تكون عشر ساعات ونصف تعادل مدة عرض خمسة أفلام على الأقل ، ونظراً لصعوبة تنفيذ خمسة أعمال سينمائية في العام الواحد بالإتقان نفسه من خلال المبدع نفسه ، فما بالكم بمن يقوم بتنفيذ أكثر من عمل تليفزيوني في العام .

طالبة  :

        ما الفرق بين الأعمال التليفزيونية المصرية والأجنبية ؟؟ وما هي العوامل التي تساعد على زيادة درجة اتقان الأعمال الأجنبية ؟؟

د/ سمير سيف:

        لابد أن نفرق بين المسلسلات الأمريكية والمسلسلات الأوروبية (الإنجليزية والفرنسية ..ألخ) . فربما أن انجلترا وفرنسا فقط من البلاد التي تقوم بتصوير الأعمال التليفزيونية من خلال الفيديو ، أما أمريكا فيقتصر الفيديو على تنفيذ اللقاءات التليفزيونية Interviews , أو برامج الأطفال أما المسلسلات فيتم تنفيذها من خلال التصوير السينمائي البحت ، ويلاحظ أنه يتم اسناد كتابة المسلسل لأكثر من كاتب ويتم اسناد الإخراج لأكثر من مخرج ، ويقوم هنا فرد واحد غالباً ما يكون منتج العمل بدور المايسترو أو القائد الذي يقوم بتوجيه مجموعة الكتاب والمخرجين نحو إيقاع واحد وأسلوب واحد لتنفيذ العمل وذلك بهدف ألا يشعر المتفرج بغربة أثناء الفرجة ، ويلتزم الكتاب والمخرجون بالمحافظة على هذا الإيقاع لدرجة أن يتصور المتفرج أن المسلسل من إبداع كاتب واحد وإخراج المخرج نفسه .

أ/ سعيد الشيخ:

        ويمتد الأسلوب الأمريكي أيضاً إلى الإستعانة بأكثر من مونتير واحد ؟؟

د/ سمير سيف:

        فعلاً ، ويتيح ذلك الفرصة لكل منهم للإجادة والوصول إلى درجة الإتقان المطلوبة .

 طالبة :

        كيف يتم تغيير المخرج كل يوم ؟ وكيف يشترك أربعة كتاب مثلاً في كتابة مشهد واحد أو موضوع واحد ؟؟

 د/ سمير سيف:

        أولاً .. لايتم تغيير المخرج يومياً ، فالمسلسل لايتم عرضه إلا بعد تمام تنفيذ كل حلقاته ولا يقل هذا عن عام ونصف العام من بداية التصوير ، ثم يشاهدها المتفرجون بشكل يومي .

        وبالنسبة للكتاب ، فيطبع في أمريكا كتب عملية جداً عن كيف تكتب How to write  ، توضح للكاتب الذي يرغب في الكتابة التليفزيونية Teleplay  ، كيف يكتب وإلى من يستطيع أن يتقدم بما يكتب ، إلى أن يتم إخراج عمله للمتفرجين ، وهذه أحد الأساليب التي يقوم الكتاب باتباعها .

        فلنفترض أن أحد كتاب السيناريو الناشئين يريد أن ينضم لمجموعة كتاب السيناريو المشاركين في كتابة أحد المسلسلات التليفزيونية الشهيرة ، عندها يقوم ببساطة بكتابة حلقة واحدة ويرسلها إلى منتج العمل ، ويجب أن يعرف أنه لن ينال الإعجاب إلا من خلال المعايشة الكاملة لشخصيات العمل والتي تتيح له إعداد الحبكة Plot  الملائمة من خلال رؤيته الخاصة لتطور الشخصيات الذي يحدث نتيجة تطور العلاقات بينها .

        فإذا ما نجح في خلق مثل هذا التطور من خلال مراقبته للعلاقات الأساسية للشخصيات وتفاعلها مع رؤيته الخاصة للأحداث فإنه ينال ترحيب أسرة العمل بالإنضمام إليهم .

أ/ سعيد الشيخ:

        نلاحظ ذلك في كثرة الحبكات الفرعية Subplot   التي تمتلئ بها الدراما التليفزيونية الأمريكية..

د/ سمير سيف:

        فعلاً ، وقد تشغل الحبكة الفرعية مدة حلقة أو أثنتين ثم تنتهي إلا أنها لا تخرج عن الكيان الأساسي لموضوع المسلسل

د/ منى   الصبان:

        ألا تعتقد أنه يوجد اختلاف بين حرفية العمل السينمائي , وحرفية العمل التليفزيوني من خلال هذا المنظور ؟

د/ سمير سيف:

        فيما يتعلق بالإخراج ، أقوم بتصميم المشهد والإعداد المسبق للتكوين وحركة الكاميرا .

د/ منى الصبان:

        وهنا تكون حركة ثلاث كاميرات ! !

د/ سمير سيف:

        يعتبر استخدام الثلاث كاميرات من الحالات الاستثنائية ، فغالباً ما يتم الاستعانة بكاميرتين ، وتصميم المشهد التليفزيوني يشبه المعادلة الرياضية إلى حد ما ، كي أتمكن من تصميم حركة الممثلين ولكى يتم التفاعل بينها وبين تكوين المشهد ككل , بحيث أستطيع إلتقاط تفاصيل المشهد من خلال تقاطع الحركة المتواصل للكاميرتين ، وإلا فلا داعي لاستخدام أكثر من كاميرا .

أ/ سعيد الشيخ:

        عندما تستخدم كاميرتين لتصوير مشهد ، تصبح المعادلة هنا .. أين تقوم بوضع الكاميرتين ؟؟ بحيث تقوم كل منهما بإلتقاط الجزء المطلوب من الحركة ؟؟

د/ سمير سيف:

        بالضبط ، بطريقة عكسية ، وأعتقد أن أفضل قول يعبر عن الإخراج التليفزيوني هو أنه دراما فترة الأربعينيات في السينما والتي تقوم أساساً على الحوار واللقطات القريبة والحركات الهادئة للكاميرا .. ألخ ، فهذا هو النموذج الذهبي للإخراج التليفزيوني من خلال أسلوب الفيديو على وجه الخصوص .

        إلا أنه يعيبه قلة استخدام اللقطات العامة long shots التي تضفي جماليات على الصورة ، إلى جانب التطرف في استخدام اللقطات القريبة جداً Extreme close-ups والتي تفقد قيمتها عند الاحتياج الفعلي لها وذلك من كثرة استخدامها ، فمثلاً عند استخدامها في تصوير جمل حوار بسيطة وإجابات عادية ، فماذا يستخدم عند تصوير قرار لأحد الشخصيات بقتل آخر ، فلابد من الوعي بعدم المغالاة فكما أن هناك تعبير المبالغة في التمثيل Over acting, فهناك أيضاً تعبير الإخراج المبالغ فيهOver directing    .

د/ منى  الصبان:

        وهناك أيضاً عنصر حركة الكاميرا والذي يختلف في العمل التليفزيوني عن العمل السينمائي أليس كذلك ؟

د/ سمير سيف:

        نعم ، وفي هذا الصدد أريد أن أتحدث عما يعتبر أحد أوجه القصور – وهنا نتحدث عن المبالغة مرة أخرى – وهو المبالغة في استخدام الزوومZoom، ففي الأعمال الأمريكية لايتم استخدام الـ Zoom in إلا لمتابعة الحركة .

أيضاً يوجد اختلاف آخر بين الإخراج التليفزيوني الذي يتبع التقاليد المستقاه مباشرة من المسرح ، مثل حركة أحد الممثلين خطوات إلى الأمام حتى يصل إلى منصة المسرح لكي يتحدث إلى ممثل آخر يقف إلى الخلف منه .، وإذا كانت مثل هذه التقاليد المسرحية – الجامدة نسبياً – تلائم المتفرج الذي يجلس في صالة المسرح , فهي بالتأكيد غير مناسبة بالمرة للتليفزيون ، هذا الضيف الذي تسلل إلى الحياة الأسرية المنزلية ، فيجب أن يكون التكوين وأوضاع الممثلين والحركة هنا أقرب ما يكون للحياه العادية ، ولكن هناك بعض كبار مخرجي التليفزيون يصرون على استخدام اللقطات القريبة جداً لاغياً بها باقي العناصر التي تتكون منها اللقطة ، معتبراً ذلك نوعاً من إضفاء الحركة على المشهد .

في حين أن المسلسلات الأجنبية ترينا أناساً عاديين يتكلمون بطبيعة في جو طبيعي ، ويحدثون التأثير المطلوب فينا كمتفرجين من خلال استغلالهم لأساليب التعبير الحرفية دون أن يشعرونا بهذه الحرفية بل نصل نحن إلى الشعور بأنهم جزء منا ونحن نعيش معهم في الجو نفسه .

وقد حاولت في المسلسلات التليفزيونية التي قمت بإخراجها تفادي أوجه القصور السابقة ، وأتحدى لو أن أحداً يستطيع أن يقول أنه شاهد مثلاً مشهداً لأحد الممثلين مواجهاً الكاميرا ويتحدث إلى ممثل أخر وهو معطيه ظهره .

د/ منى الصبان:

        بمناسبة موضوع أداء الممثل وظهره للكاميرا فقد تحدث المخرج الكبير صلاح أبو سيف عن انتشار هذه الطريقة ، وقد حاول أن يقوم بالأسلوب نفسه ولكنه لم يستطع ؟؟

د/ سمير سيف:

        أكثر ما يعيب هذه الطريقة هو استعمالها من دون سبب أو مبرر ، وبشكل مبالغ فيه ، في حين يمكن استخدامها مثلاً في جزء من حركة الممثل الطبيعية وهو يحادث ممثلاً أخر لا أن يلتفت فجأة من دون داع ، ونعود هنا لاقتباس الأساليب المسرحية فيما يتعلق بحركة شخصية إلى الأمام لكي تأخذ موقعاً أقرب للمتفرج لكي يكسبها ذلك أهمية أكبر لأنها تعتبر الشخصية الأهم ، وتأخذ الشخصيات الأخرى مواقع أبعد كل بحسب أهميته أو دوره في تحريك الحدث ، فعندما يلجأ المخرج التليفزيوني لهذه الأساليب فإنه ينتقل بلا وعي إلى  وسيط آخر ألا وهو المسرح .

د/ منى  الصبان:

        يوجد مثال للقطة تبدأ بممثلة توجه حديثها إلى ممثل يشاركها الحوار ثم تقوم الممثلة بالالتفاف وتلتقط الكاميرا وجهها بلقطة قريبة close up  , ثم تقطع عليها الكاميرا الثانية فى لقطة عامة long shot وهي لم تعد برأسها للوضع العادي بعد ولايزال الممثل مستمراً في آداء حواره ؟؟

د/ سمير سيف:

        قد يرجع هذا القصور إلى عدم وعي الممثل بوجود هذه النقلة من الكاميرا الأولى إلى الكاميرا الثانية ,هذا بافتراض أن المخرج قام بتوضيح هذه التفاصيل إلى الممثلين أثناء البروفة التمهيدية dry .

        ويجب أن نلاحظ مبدأً هاماً في الأداء التليفزيوني – برغم ضرورة التأكيد على أن أى مبدأ يزيد عن حده ينقلب إلى ضده – هذا المبدأ هوPlaying to the camera  ، فبسبب أن كاميرا التليفزيون تتميز بالحميمية ، فكلما واجهها الممثل كلما شعر المتفرج أنه يوجه حديثه إليه ، إلا أن هذا الأسلوب يمكن أن يتم تنفيذه بشكل ذكي , أما لو نفذ بشكل فيه مبالغة أو مغالاه فسيحدث تأثيراً عكسياً .

أ/ سعيد الشيخ:

        نلاحظ أن بعض مخرجي التليفزيون يقومون بتنفيذ القطع بشكل مفتعل ، فما سبب ذلك ؟؟

د/ سمير سيف:

        هناك حقيقة اكتشفتها عندما بدأت العمل في الفيديو ، وهي أن نسبة 99.9 % من مخرجي التليفزيون تخرجوا من المعهد العالي للفنون المسرحية ولذلك فهم ليسوا Camera oriented  ، أى أن تفكيرهم الأساسي ليس بصرياً ، أنما ينحصر في الميزانسين ، بمعنى إعطاء الأولوية إلى حركة الممثلين وتوجيههم إلى أماكن دخولهم وجلوسهم ولحظات الذروة لآدائهم التمثيلي ... ألخ ، أما مسألة القطع Cutting  , والخط الوهمي ، وما إلى ذلك فيتم اسنادها إلى المصورين خريجى كلية الفنون التطبيقية الذين درسوا هذه المسائل ويمتلكون المقومات البصرية Visual aspects   . وتقع عليهم مسؤولة تكوين الكادر Cad rage الذى سيبدأ منه المشهد والذى سينتهى عنده ، مثلاً أن يبدأ اللقطة من الفراغ الذي تشكله قلة شرب مع أحد عناصر الكادر .. فتدخل الكاميرا من هذا الفراغ لتقع على وجه الممثل أثناء آدائه لتعبير ما أو لجملة من جمل الحوار ، ويعتقد هنا المصور أنه قد راعى جماليات الصورة من خلال خلق العلاقة بين الكتلة والفراغ أو خلق حوار بين الصورة الأمامية Foreground   والصورة الخلفية Background  , ويقتصر دور المخرج هنا على الموافقة والترحيب بما نجح المصور في عمله .

        ويتبارى المصورون في هذا ، حيث أن المصور يقوم بإرتجال أحد هذه التكوينات أثناء عمل الكاميرا الأولى لكي يبدأ به عمل الكاميرا الثانية عند القطع عليها وذلك طبعاً بعد عرض الفكرة على المخرج وأخذ الموافقة عليها وذلك بسبب عدم وجود أسلوب بصري Visual style  لدى المخرج .

وعندما عملت بالفيديو ، أذكر أني تعرضت لمثل هذه الأمور من المصورين في أول أيام التصوير ، فرفضت أى مفاجأت غير ما سبق الإتفاق عليه مسبقاً ، فاستطعت أن أفرض عليهم أسلوباً بصرياً محدداً يعملون وفقاً له .

        أما النسبة الأكبر من مخرجي التليفزيون ، فكما أسلفت – يولون الإهتمام الأكبر للميزانسين وللأداء التمثيلي وذلك لعدم إكتمال الوعي البصري لديهم .

        وهناك أيضاً عامل الوقت ، والذي يمنع المخرج من أى إعادة أو تراجع ما دام الحوار صحيحاً وليس به أخطاء ، فعندئذ يمكن التغاضي عن أشياء كثيرة أثناء العمل ، أي لا توجد الدقة المتناهية التي يتميز بها العمل السينمائي ، وهذه هي بعض مما نطلق عليه أخلاقيات الإخراج التليفزيوني .

د/ منى  الصبان:

        هل وفرت لك إمكانيات المونتاج في الفيديو النتيجة نفسها التي وفرتها إمكانيات المونتاج في السينما؟

د/ سمير سيف:

        مؤكد أن هناك أوجه تشابه وأوجه إختلاف بين هذين النوعين من التقنية ، فتقريباً يتم تنفيذ القطعات نفسها والتبطين نفسه للمشاهد بأن نأخذ جزءاً من لقطة نطعم بها فجوة Gap في لقطة أخرى , وكل هذا يستغرق وقتاً و يكلف مالاً , إلا أن مونتاج الفيديو مريح أكثر من هذه الناحية , أما الصعوبة فتكمن في مونتاج الصوت لأنه لا يوجد به ما نسميه بالدوبلاج , فلو أن أحدهم عطس أو تكلم أخر بصوت عالٍ أو مرت إحدى السيارات لفسد المشهد.

        على حين أنه يمكن التعامل مع كل ذلك في العمل السينمائي , حيث يمكن أن يتم التصوير ليلاً في أحد الشوارع وسط آلاف من الجماهير و تبدو الصورة من خلال المونتاج كما لو أن الشارع خالٍ من الناس تماماً , و يؤكد ذلك ما يتم تركيبه من المؤثرات الصوتية في المشهد كأصوات صراصير الغيط أو عواء بعض الكلاب .

        و تحقيق هذا مستحيل في الفيديو , و لذلك يتم اللجوء إلى التصوير الخارجي في أضيق الحدود , لأن السيطرة على التصوير الداخلي تكون أيسر كثيراً من ناحية الصوت , أما فيما يتعلق بالصورة فالفيديو أيسر من السينما لأن التعامل مع الكاميرا يتم من خلال مجموعة من الأزرار فلا تحتاج إلى تجهيزات خاصة مثلما تحتاج كاميرا التصوير السينمائي .    

و على ذلك فالصعوبة تكمن كما ذكرت في الصوت , و يتبع ذلك صعوبة في المكساج أيضاً , فإمكانيات المكساج في الفيديو أقل من السينما لعدم وجود مكتبات الأصوات و المؤثرات .لذلك فالدراما الداخلية هي الأفضل للعمل بالفيديو أما الأتجاه للتصوير الخارجي أو مشاهد الحركة فيكون في أضيق الحدود نظراً لصعوبة تنفيذه كما ذكرت .

أ/ سعيد الشيخ:

        لكن إذا اضطررت الى تصوير بعض مشاهد الحركة , فهل يتم التنفيذ من خلال وحدات التصوير التليفزيونى أم بكاميرات السينما ؟

د/ سمير سيف:

        كان يتم التنفيذ في السابق من خلال كاميرات السينما الـ 16 مللي , ثم يتم نقله إلى الفيديو , و عندما أخرجت أعمالي التلفزيونية فضلت تنفيذ العمل كله فيديو , لأن ذلك أيسر في العمل و أسرع في التنفيذ من ناحية الأعداد للمشاهد و الأضاءة و غيرها .

        لكن تكمن الصعوبة في المونتاج بسب تكاليفه العاليةويتم حسابها وفقاً لعدد ساعات المونتاج – و التي تؤدي في النهاية لأرتفاع تكاليف أنتاج الفيديو , و لذلك فاللغة السائدة بالنسبة للعمل في الفيديو هو السرعة في تنفيذ المونتاج , دون النظر إلى التفصيلات الصغيرة التي نراعيها في مونتاج العمل السينمائي , و لذلك فاللجوء إلى التنفيذ من خلال الفيديو – حتى في المشاهد الخارجية – يؤدي إلى الحد من المتاعب التي نواجهها عند المونتاج . (يتحدث الدكتور سمير عن المونتاج المتتالي Linear Editing)

د/ منى  الصبان:

        و ما رأيك في الأمكانية التي يوفرها مونتاج الفيديو , و التي تتعلق برؤية المزج Dissolves أو الأختفاء والظهور  Fades  حتى في وقت التصوير نفسه ؟

د/ سمير سيف:

        نعم , هذا إلى جانب الخدعة البصرية و غير ذلك , و أذكر في هذا المجال تجربة رائدة قام بها المخرج أ/ نيازي مصطفى – في أثناء أخراجه لأحد الأفلام  - حيث قام بتنفيذ خدع بصرية (تروكاج) من خلال الفيديو , و لم يستغرق ذلك ربع الوقت الذي كان من الممكن أن يستغرقه إذا تم تنفيذه من خلال السينما , إلا أن تكلفته الحقيقية نتجت عن ضرورة أرساله إلى أحد المعامل الأمريكية في مدينة لوس أنجلوس لنقل هذا الجزء إلى الشريط السينمائى , فمن المعروف أن النقل من السينما إلى الفيديو تقنية سهلة و تتم في أي مكان , أما النقل من الفيديو للسينما فليس بهذه السهولة , فتكاليف المعمل وصلت إلى 22 دولاراً للمتر الواحد – هذا بالطبع خلافاً لتكاليف النقل و الشحن و لكن النتيجة في النهاية تكون مرضية تماماً للمخرج .

د/ منى  الصبان:

        وهل تشعر فى النهاية أنه قد تم تنفيذها من خلال السينما ؟؟

د/ سمير سيف:

        طبعاً ، وقد شاهدت في هذا المعمل بالتحديد أفلاماً تم تصويرها من خلال كاميرا الفيديوCamera Home على شرائط  بواسطة أناس غير محترفين وتم نقلها على شرائط VHS سينما 35 مللي والنتيجة معقولة إلى حد كبير ، ويرجع ذلك إلى التقنية التي يقومون باستعمالها ، حيث يتم فصل الألوان ثم يعاد تجميعها مرة أخرى على شرائط السيليولويد بعد التصحيح ، وهكذا يمر الشريط بمجموعة من المراحل حتى يصل إلى الصورة السينمائية المضبوطة للغاية ، وهذه التقنية هي ما تجعل تكلفة نقل الشريط إلى السينما غالية حتى الآن

د/ منى الصبان:

        وهل توجد مثل هذه التقنية في مكان أخر غير أمريكا وأنجلترا ؟؟

د/ سمير سيف:

        وجدت في العاصمة الإنجليزية لندن مؤخراً ، لكن قبل ذلك لم تكن موجودة إلا في معمل لوس أنجلوس بأمريكا.

د/ منى  الصبان:

        ألم يضايقك الاختلاف بين ثانية الفيديو والتي تتكون من 25 كادراً ، وثانية السينما التي تتكون من 24 كادراً ؟؟

د/ سمير سيف:

        نهائياً ، فقد وعيت لهذه الحقيقة مبكراً من خلال الدراسة ، وأعلم تماماً أن الفيلم السينمائي تقل مدة عرضه عند عرضه بالتليفزيون ، فلو أن مدة عرضه بالسينما تصل إلى 125 دقيقة تقل هذه المدة لتصل إلى 120 دقيقة تقريبا عند عرضه بالتليفزيون .

أ/ سعيد الشيخ:

        وعندما يتم تصوير جزء من خلال السينما ، ثم يتم نقله فيما بعد إلى الفيديو لكي يتم إلحاقه بباقي العمل المنفذ من خلال الفيديو ، ألا يشعرك ذلك بفرق في الإيقاع أو نغمة الصوت ؟؟ أم أن الاختلاف 1/25 صغير إلى درجة أنه لا يحدث هذا الفرق ؟

د/ سمير سيف:

        لا ، حيث أنه يتم التنفيذ – أعني التصوير والمونتاج – صورة وصوت كاملاً وبشكل يحقق التزامن المطلوب ثم يتم نقله إلى الفيديو منضبطاً تماماً إلا أن هناك عاملاً قد يؤثر في إحداث الخلل الذي تتحدث عنه ، وهو العامل الذي يتعلق بأجهزة التليسين ومدى كفاءتها في تنفيذ النقل ، فكلما زادت كفاءة الأجهزة ، كلما زادت جودة المواد المنقولة والعكس صحيح ، وهناك أجهزة تليسين في الوقت الحالي تقوم بالنقل مباشرة - من الشريط النيجاتيفNegative  -دون الحاجة لطبعه على شريط بوزتيف Positive  - إلى شريط الفيديو.

        وهناك افتراض ألا يحدث فرق في الإيقاع ، وأكاد أجزم بأن الأفلام الأجنبية التي ترد مثلاً إلى التليفزيون والتي يتم ترجمتها إلى اللغة العربية والتي ترد أساساً منقولة إلى الفيديو تكون صورتها أنصع وأنقى من النسخة السينمائية الـ 16 مللي أو 35 مللي التي يتم نقلها عنها ، وذلك لتعرضها لدرجة أكبر من النصوع Brightness  الخاصة بالفيديو ، الذي يتمتع بدرجة نقاء الصورة Resolution   في منتهى القوة .

        إلا أن الصورة المتكونة بعد النقل تفقد بعضاً من التباين Contrast  ، مما يجعلها أكثر نعومة  Soft وأقرب ما تكون لصورة الفيديو الأصلية .

        وأعتقد أن جزءاً كبيراً من المستقبل يكمن في العمل من خلال الفيديو ، فنلاحظ أن المجلات الشهيرة المتخصصة التي أعتدنا على تصفحها مثل Film & Filming  ومجلة Sight & sound  ، تخصص جزءاً كبيراً منها للفيديو ، يتيح لقرائها نقداً شاملاً للأفلام التي انتجت حديثاً بالإضافة إلى عرض أفلام سبق طرحها في الأسواق .

        وفي فرنسا تصدر سبعة مجلات أسبوعية لمتابعة البرامج التليفزيونية ، وقد قمت بشرائهم في أحد المرات لكي أتعرف على ما تقدمه ، ففوجئت بكم رهيب من المقالات التي تقوم بالنقد والتحليل بالإضافة إلى عرض ما تقدمه القنوات التليفزيونية من برامج وأفلام ومسلسلات خلال الأسبوع ، لدرجة أن إحدى هذه المجلات تقدم للمتفرج خدمة إضافية بتوفير الأفيش  الخاص بالأعمال التليفزيونية التي يتمكن من لصقها على شرائط الفيديو إذا أحب أن يقوم بتسجيل بعض هذه الأعمال .

د/ منى الصبان:

      ما الفرق فى رأيك بين المونتاج الإلكتروني ، ومونتاج الفيديو ، ودور كل منهما في مونتاج العمل ؟؟

د/ سمير سيف:

        لابد للمونتير الذي يمارس المونتاج الإلكتروني أن يكون على وعي تام بأدوات وتقنيات الإخراج لأنه يعتبر ذراع المخرج الأيمن تماماً ، كما أن المصور يعتبر عينه ...

د/ منى  الصبان:

 في فرنسا ، لايوجد مونتير إلكتروني متخصص ، فمخرج العمل هو الذي يقع عليه هذا العبء .

د/ سمير سيف:

        لذلك فإن المخرج أ/ حسام الدين مصطفى قد قام بتنفيذ المونتاج للأعمال التي أخرجها للفيديو ، فإذا تواجد المونتير الإلكتروني الواعي الذي تحدثنا عنه ، يستطيع أن يحل محل المخرج في التنفيذ ، ولتوضيح أهمية وعي المونتير الإلكتروني بتقنيات الإخراج ، أضرب لكم مثلاً للقطة متوسطة عامة medium long shot لأثنين من الممثلين تم إلتقاطها بالكاميرا الأولى تلتها لقطة قريبة close تم إلتقاطها بالكاميرا الثانية لأحدهما وهو يتحدث إلى الآخر ثم تعود الكاميرا الأولى لإلتقاط لقطة قريبة close للممثل الآخر وهو يرد عليه ، فهنا لابد للمونتير الإلكتروني أن يكون واضعاً عينيه على الإثنين حتى لايقوم بالقطع إلا بعد أن ينتهي الممثل الأول من جملته ، أيضاً لابد أن يولي الإهتمام نفسه لجهازى الرؤية Two monitors  ، لملاحظة حركة الكاميرا وضبط العدسة لأنه أحيانا يجب عليه الانتظار قبل القطع إلى أن تنهي الكاميرا ضبط درجة وضوح الكادرFocusing  , ويتم كل هذا العمل في غرفة الكنترول Control room   والتي تعج بالأصوات العالية للمخرج أثناء توجيهه للمونتير وباقي طاقم العمل لكي يتم تحقيق النتيجة المرضية في النهاية .

أ/ سعيد الشيخ:

        يذكرني ذلك بالأسلوب الذي كان متبعاً قديماً في بدايات التليفزيون عندما كان يتم عرض الأعمال حيةLive على الهواء مباشرة ...

د/ سمير سيف:

        نعم ، وأستطيع أن اتخيل الآن بعد تجربتي في العمل في الفيديو كيف كان يتم العمل بهذا الأسلوب مع الفارق لأننا حالياً نتمكن من الإعادة عند حدوث أى خطأ ، أما العمل على الهواء مباشرة فبالتأكيد أنه يشكل ضغطاً كبيراً على القائمين على العمل لكي يتم تفادي أى خطأ من جهة ومن جهة أخرى التحايل الذي يتم اللجوء إليه لتحقيق الهدف بأسرع وقت ممكن ، فنتخيل أن الممثل يرتدي الروب فوق البدلة غير الظاهرة في مشهد له وهو بالمنزل وذلك لكي يتمكن بسرعة من خلع الروب ليلحق بالمشهد التالي له في المكتب صباح اليوم التالي ويتم ملء الفجوة الزمنية Gap بين المشهدين بإثنين من السعاة في حوار جانبي مثلا

أ/ سعيد الشيخ:

  إذن فالقرار في الفيديو قابل للمناقشة أما في هذا الأسلوب فالقرار نهائي ؟؟

د/ سمير سيف:

        تماماً ، فمونتاج الفيديو يتيح التعديل أثناء التصوير كما أنه يتيح – بشروط معينة – أن نقرر إجراء التعديل في المونتاج النهائي ، فمثلاً في المثال الذي سبق أن ذكرته لمشهد يضم إثنين من الممثلين ، لو أن الممثل الذي بدأ الحوار أنهى جملته ومرت فترة سكون إلى أن بدأت الكاميرا الثانية في اللقطة القريبة close  للممثل الآخر ، فنستطيع أن نحذف فترة السكون هذه لكي نحافظ على تلاحق الإيقاع مثلاً ، فيعتبر مونتاج الفيديو عملية تنظيف للتسجيل الإلكتروني إن جاز التعبير .

د/ منى الصبان:

 ولكن هل هناك حدود للإمكانيات التي يتيحها مونتاج الفيديو ؟؟

د/ سمير سيف:

        بالقطع ، فالمونتاج لن يخلق ماهو غير موجود ، إنما يقتصر الدور الذي يلعبه في حذف الزيادات كما سبق وأن قلت أو يتعدى ذلك إلى تطعيم المشاهد ببعض اللقطات التي تصور ردود أفعال أو تعبيرات معينة يعتبر وجودها ضرورة حتمية للدراما المعروضة . فمثلاً عند الإعداد لتصوير مشهد ما يتضمن حواراً بين إثنين من الممثلين ، فيتم تصوير المشهد من خلال كاميرتين تم إعدادهما بشكل شبه متقابل ، ثم يتم إلتقاط عدة لقطات تصور رد فعل لكل من الممثلين ، وقد يتم إلتقاط رد فعل ممثل ثالث تواجد في المشهد الذي تم تصويره ثم من خلال مونتاج الفيديو يتم تطعيم المشهد بردود الأفعال هذه ، وكثيراً ما نلجأ لمثل هذا الأسلوب عند وقوع أخطاء في الأداء التمثيلي أو حدوث سقطات Droppings   في إيقاع بعض المشاهد .

        وأذكر هنا مسلسلاً أشاد الناس بآداء بطله أشادة كبيرة في حين أنه – ولظروف قد تكون خارجة عن ارادته آنذاك – كانت ردود أفعاله أبطأ من المطلوب مما نتج عنه بطء في إيقاع آدائه ككل ، بحيث أدى هذا لحدوث فجوات Gaps  بين جمل الحوار المتتالية المفترض أن يؤديها ، فكنت أقوم بتصوير كم هائل من ردود الأفعال المختلفة لزملائه المشاركين في الحوار ، بحيث أتمكن من وضع رد فعل ما لملء الفجوة التي يحدثها في الفترة بعد أن ينتهي من جملته الأولى وقبل أن يبدأ إلقاء جملته الثانية .... وهكذا .

        ولابد في مثل هذه الظروف أن أكون مستعداً بالمواد Material التي تمكنني من التعامل مع هذه الفجوات لكي أتفادي حدوث مآزق بطء الإيقاع ، لكن أعود للتأكيد على أن مونتاج الفيديو لم ولن يخلق شيئاً من العدم ، بل هو عمل مكمل للعمل التليفزيوني إلا أنه من الأهمية بحيث قد يتوقف عليه نجاح الرؤية الإخراجية أو فشلها . وهذا أيضاً يؤكد على دور المونتير الإلكتروني ، لأنه إذا لم يتوفر لديه الأحساس والوعي يمكن أن يفسد العمل .     وقد يتمسك بعضهم بمفاهيم تقنية قديمة للقطع بين اللقطات ، وهنا يأتي دور المخرج في تغيير هذه المفاهيم أو ممارسة حقه في إتخاذ القرار الأوحد الذي يراه لصالح رؤيته الإخراجية .

د/ منى الصبان:

  سمير ماذا تقرأ ؟؟ ولمن تقرأ ؟؟ وكيف تحافظ على مواكبة الجديد في عملك ؟؟

د/ سمير سيف:

        طبعاً القراءة هامة جداً لمن يريد النجاح ، وتصبح أكثر أهمية لمن يريد الحفاظ على النجاح الذي حققه ، وذلك من خلال ما تتيحه القراءة من فرص متجددة للمعرفة بشتى أنواعها على وجه العموم أو في مجال التخصص ، وأذكر أنني حصلت في هذا الصدد – على ما أعتبره شهادة من الأستاذ الفنان محمود مرسي فيما يتعلق بعملي في مجال الفيديو ، وعلاقتي بالفنان محمود مرسي تعود إلى زمن بعيد فقد كان أستاذاً لي في المعهد وصديقاً لي بعد ذلك فيما يطلق عليه المصطبة الثقافية التي كانت تجمعنا سهراتها في فنادق القاهرة . ثم بعد ذلك حين قام بتمثيل أحد المسلسلات التي قمت بإخراجها .

        وقبل الإقدام على أي عمل جديد - وهو هنا المسلسل الذي أتحدث عنه – اعتدت أن أقوم بتغطيته من الناحية النظرية تغطية جيدة جداً ، فقرأت كثيراً في كل ما يتعلق بحرفية التليفزيون والإخراج التليفزيوني وأحتفظ الآن بمكتبة فيديو جيدة تتضمن كتباً كثيرة... إلى غير ذلك ، ثم سافرت إلى تونس لمدة 4 أيام لمراقبة العمل بمسلسل كان يتم تنفيذه هناك وقضيت الأربعة أيام ما بين التجول بين الاستديو وبين غرفة الكنترول Control room لأتعرف على الجانب العملي لكل التقنيات التي قرأت عنها نظرياً .

        ثم بدأت أول يوم عمل بالمسلسل وكل العاملين به لم يتوقعوا مني أن أنفذ أكثر من دقيقة ونصف نظراً لخلفيتي السينمائية وحقيقة أني لم أقم بتصوير متر فيديو واحد قبل ذلك ، إلا أنني فاجأت الجميع بتنفيذ تسع عشرة دقيقة ، لدرجة أن بعضهم أعتقد أنني قمت بإخراج أعمال فيديو قبل ذلك ، ويومها أعطاني الأستاذ محمود مرسي شهادته التي اعتبرها إجازتي كمخرج فيديو .

        فأريد هنا أن أخلص إلى أنه كلما قام المخرج بالواجب فى المنزل Home work  جيداً أو أن يذاكر جيداً أو يحضر لعمله ، كلما كان تنفيذ العمل أيسر ، فقراءتي في مجال الفيديو والإخراج التليفزيوني ، زودتني بحصيلة من المعرفة بالتقنيات والأساليب التي أشعرتني بأنني في بيتي Right at home ، وأن الآليات أصبحت مألوفة بالنسبة إلي ، ولم يعد يتبقى للتنفيذ غير الحلول الشخصية واستخدام الأسلوب المناسب أو التقنية المناسبة بما يتفق ورؤيتي لإخراج العمل .

فمسألة المذاكرة والإعداد التي أتحدث عنها مسألة في غاية الأهمية ، وفيما يتعلق بالقراءة ، يوجد الآن اتجاه إلى التأليف في الإجراءات العملية . فقد ظل كتاب " فن المونتاج السينمائي " هو المرجع الأساسي لسنوات عديدة إلا أنه لا يتضمن تقنيات مثل الـ Room tone وغيرها من التقنيات التي يكتسبها المرء من خلال العمل الفعلي ، تلك التقنيات يتم تسجيلها الآن في كتب ، وبرغم أن المرء قد يحتاج إلى أن يراها بشكل عملي ، إلا أن تلك الكتب تتيح له خلفية نظرية جيدة يبدأ منها ، فهناك كتب تتحدث عن كيفية التوفير في مونتاج الصوت , وكتب أخرى تتحدث في كيفية تسجيل العمل مشفر  Coded على شرائط VHS يستطيع المرء العمل عليها في المنزل من خلال ما يشبه المسودة للمونتاج بحيث يصبح أيسر وأسرع عند تنفيذ مونتاج الفيديو وبالتالي يساهم ذلك في خفض تكاليف المونتاج - الذي يحسب كما سبق وقلت – بالساعة .

وهنا أريد التأكيد مرة أخرى على أهمية القراءة ومتابعة كل جديد يصدر في مجالات العمل المختلفة للسينما ، ولابد أن نلاحظ السرعة التي تتقدم بها تقنيات العمل باستمرار ، وضرورة أن نكون حريصيين على أن نواكب ذلك التقدم ، وبالمناسبة كنت أجلس مع مخرج إنجليزي يزور القاهرة  منذ عدة أيام ، وبدأنا الحديث فذكر لي كتاباً أصدرته إحدى دور النشر للمخرج الإنجليزي (جون بورمان) ، فذكرت له بدوري تفاصيل موضوع الكتاب ، فعرف أنني حريص على متابعة أحدث الإصدارات في المجال السينمائي ، ولى من القدرة على مناقشة تلك الإصدارات ، وأذكر أيضاً عندما زرت أمريكا ، حضرت فصلاً دراسياً مع (إدوارد ماترك) يتناول فيه الأفلام بالتحليل حيث يضع الفيلم على الـ U-matic وإلى جواره سبورة ، ثم بعد عرض جزء من الفيلم يقوم بتحليلها بالشرح ورسم تفاصيل اللقطات ..

فمثلاً ، شاهدنا لقطة توتاله من أحد الأفلام بها أحد الممثلين وقد قام برفع رأسه ولكنه يظهر في اللقطة التالية Close وهو مازال يرفع رأسه ، وهذا خطأ تقني بالغ . ثم يقوم بتكرار العرض والشرح والتحليل لباقي لقطات ومشاهد الفيلم .

وأذكر هنا أنه عند قيامي بتحليل فيلم (صراع في الوادي) أكتشفت بعض الأخطاء المماثلة من حيث عدم التطابقMatching في المشاهد تقنياGrammatically تؤخذ هذه الأخطاء على صناع هذا الفيلم.  
د/ منى الصبان :
     
هل وجدت اختلافاً فى طرق التدريس فى مصر عنها فى أمريكا ؟؟
د/ سمير سيف :
    
 لا يوجد فرق يذكر بين طرق التدريس فى مصر عنها فى أمريكا , فالشرح واحد و طريقة التحليل الأفلام واحدة , إنما يكمن الاختلاف فى صناعة الفيلم , فالفارق شاسع بيننا و بينهم من ناحية الامكانيات المادية و المعدات . أما من ناحية العامل البشرى فلا يوجد أى فارق , فكلنا نتحدث اللغة نفسها .


Copyright © 2007 arabfilmtvschool.edu.eg,
All Rights Reserved
Dr. Mona El Sabban